سألني مجددا بنفس الشرود، دون أن ينظر لي: «لهذا كنت أرى ذلك الحلم، وأصاب بتلك النوبات؟» - «نعم، إن نوبات الذعر من الأعراض الشائعة لاضطرابات ما بعد الصدمة.
لقد أخطأت في تفسير مسببات حلمك في المرة الأولى، عندما تنام تتراخى قبضة عقلك الواعي عليك، وتعود السيطرة للعقل اللاواعي، كان الحلم لغة العقل الباطن لإخبارك بهذا الحمل الثقيل المدفون فيه. يمكنك أن ترى الأمر كصراع داخلي يخوضه عقلك الباطن، فهو صاحب قرار تجاهل هذه الذكرى واعتبار أن شيئا لم يكن حفاظا على اتزانك النفسي، وفي نفس الوقت كان هذا الكبت يسبب لك اضطرابا مكتوما متراكما، لهذا كان يبحث عن التوازن، ويحاول بلغته الخاصة أن يخرج لك رمزيات هذه الذكرى في شكل حلم.
كانت نوبات الذعر التي تصيبك نتيجة هذا الصراع، نتيجة التضارب بين عقلك ومشاعرك؛ لهذا كنت تصاب بتلك النوبة دائما عقب رؤيتك للحلم.»
ثم نهضت من جواره وجلست خلف المكتب، وقلت وأنا أشبك أصابع يدي أمام وجهي: «الصقر الذي يطاردك في الحلم هو الصقر الذي رأيته في الطائرة، لكنه في حلمك يرمز للطائرة نفسها. السحب السوداء هي الدخان الذي رأيته يعم المكان. أصوات الرعد هي صوت الطائرة العالي. وهروبك في الحلم هو هروبك من تلك الذكرى. لكنها - برغم هروبك منها - كانت تطاردك وتكبلك بأن ترشح في اللاوعي لديك باستمرار، لهذا كانت قدماك تتباطآن في الجري.
هل ترى النمط المتكرر؟ إن الرمزية في كل مكان.»
ونظرت له متسائلا، وأردفت: «لكنني لم أعرف الصوت الذي يخاطبك بجملة والدتك، قلت إنه يبدو مألوفا؟ أعتقد أن له علاقة بنحو أو بآخر بصوت سمعته ذلك اليوم.»
نظر لي في برود، كان قد استعاد شخصيته الأولى، قال وهو يمسح الأثر الملحي لدموعه على خديه: «لقد كان صوت ذلك المطرب في جهاز التسجيل، العطبراوي.»
هززت رأسي في تفهم ولذت بالصمت، كنت أعرف أنه لن يعود كما كان بعد هذه الجلسة، إن أوقاتا عصيبة تنتظر هذا التعس، لكنه ذكي جدا، وبقليل من المساعدة سيستطيع أن يتخطى هذه المحنة.
كان يفكر في عمق وهو يرمق الأرض، رفع رأسه وسألني: «ماذا يوجد في الصحيفة؟»
فتحت الصحيفة، كان هناك خبر أسفل الصفحة الثانية يقول باقتضاب: «سلاح الجو يقصف المتمردين بمنطقة أبو حمرة، غربي شنقل طوباية.»
صفحة غير معروفة