وكان هنا عندما يرتفع صوت عويلهم في مآتم البكاء والحزن، عند فقد الأحباب.
شهد مولد أجداده ووفاتهم، وسيشهد مولد ووفاة الأحفاد.
كلهم كانوا يأتون ويذهبون. لكنه ظل دائما هناك، يقف ويراقب في صمت.
وفي ذاكرته العتيقة مئات الحيوات التي عاصرت القرية.
كانت على سفح الجبل صخرة بارزة، رفع جسد أخته أعلى الصخرة، ثم راح يلفها. وجد تجويفا خلفها فأراح جسد أخته داخله، ثم رمي بنفسه بجانبها وهو يلهث، صدره يعلو ويهبط بسرعة وأنفاسه تتلاحق. والتفت خلفه ليرى القرية.
ما تبقى منها إن صح التعبير.
لم تعد هناك قرية.
كانت أعمدة الدخان السوداء تتصاعد من بيوت القش المحترقة، وأشجار الهشاب . وأطفال ونساء يتراكضون هنا وهناك، ومن مكانه استطاع أن يرى المدرسة، كانت ألسنة اللهب تتصاعد من السور الخارجي.
كان ذلك الرجل الذي يرتدي النظارات السوداء يقف في مقدمة سيارات «التاتشر» الرابضة في منتصف القرية عاقدا كفيه خلف ظهره، كان يرتدي زيا نظيفا مختلفا عن باقي الرجال، بينما يصيح ببعض العبارات في مجموعة من الرجال الملثمين الذين يتقدمون ببطء، وهم يشهرون فوهات البنادق الآلية ويبحثون بين الركام.
رأى بعض الرجال الملثمين يكومون جثث الموتى في مكان واحد. وفي الطرف الآخر من القرية، كان بعض رجال القرية يفترشون الأرض على بطونهم وأياديهم خلف رءوسهم، بينما يحوم حولهم بعض الملثمين، وهم يشهرون فوهات مدافعهم الآلية في تحفز.
صفحة غير معروفة