كانت الغرفة مظلمة، وتوقفت جوار الباب حتى تعتاد عيناي على الظلام قليلا، كانت زنزانة ضيقة، لكنها أكثر اتساعا من الزنزانة الأولى، أرضيتها جافة لحسن الحظ، لكن لا توجد بها نافذة واحدة، كانت قبرا إسمنتيا مصمتا، ما عدا بعضا من ضوء النهار يدخل شحيحا للزنزانة من أسفل الباب.
رأيت الجسد المكوم على الأرض في أحد زوايا الغرفة. كان «عمار».
هرعت إليه وانحنيت عليه، أسندت ظهري للحائط، ووضعت رأسه على فخذ رجلي.
وبرغم الظلام استطعت رؤية أن الدماء كانت تغطي كل وجهه تقريبا.
يتنفس بصوت عال مع صوت صفير ينبعث مع تنفسه، لا بد أن أنفه متهشم كذلك.
غمرنا - إذ جلسنا في الميدان - ضوء «ركشة» قادمة من الناحية الأخرى، ثم توقفت أمامنا، توقف «إبراهيم» عن الحديث، وقام بإخفاء زجاجة «العرقي» خلف إطار الشاحنة الذي يجلس عليه.
ترجل منها شابان من السكن الداخلي، توقفا وتحدثا قليلا مع «إبراهيم» عن مباراة ما سيشاهدونها في النادي القريب من المكان، بينما كنت أنا هائما مع أفكاري في شرود.
أستطيع أن أتفهم شعور «إبراهيم» بعد ما تسبب به لصديقه، لكنني لا أفهم سبب شعوري أنا الآن.
شعور غامر مؤذ بتأنيب الضمير يغمرني، ويعتصر قلبي بقبضة باردة لا ترحم.
أنا لم أشارك فيما حدث. ولم تكن لي به أي صلة.
صفحة غير معروفة