ولكن حفل التوقيع أظهر للملك مدى ثراء الكاردينال (ورئيس الوزراء) الذي لم يكن يتقاضى أي مرتبات من خزانة الدولة. ولا بد أن الملك قد سمع أيضا عن المبالغ الكبيرة التي أنفقها الكاردينال لتحقيق مراميه. ويختلف المؤرخون حول تحديد موقف الملك من الكاردينال في تلك الأيام المبشرة بالسلام الأوروبي، وإن كان معظمهم يميل إلى تصديق السجلات المعتمدة التي تفصح عن الثقة الكبيرة التي كان الملك يوليها له، ويجب ألا ننسى في خضم هذا البحر السياسي المتلاطم الموج أن الملك كان مشغولا آنذاك بعجز زوجته عن إنجاب مولود ذكر من صلبه يرث عرش إنجلترا، وأنه كان قد فقد تماما أي دافع لمواصلة الارتباط بزوجته كاثرين، فهجرها في المضجع وبدأ يفكر في وسيلة لإنهاء الزواج. وتتضمن كتب التاريخ بعض الإشارات إلى الجهود التي بذلها وولزي في تدبير بديل للملكة؛ أي العثور على ملكة أخرى تساعده في تحقيق طموحاته السياسية من خلال إحلال السلام في أوروبا، وكان يطمح في أن يجد للملك زوجة فرنسية إذا استطاع إيجاد السبل القانونية (الشرعية) لإعلان بطلان زواج الملك بكاترين، وكان يميل إلى اختيار أخت الملك فرنسيس واسمها «رينيه».
وفي العام التالي (1519م) تبين لوولزي بوضوح وجلاء أن علاقة الملك بزوجته قد انتهت. ويبدو أنه غض الطرف عن العلاقات الغرامية التي كان الملك يقيمها مع بعض نساء القصر؛ إذ إن هنري اتخذ عشيقة له في ذلك العام هي إليزابيث بلاوتد
، وأنجبت له ابنا سفاحا، ففرح به، وأنعم عليه بلقب دوق ريتشموند وسومرست، وفكر في أن يقف وراثة العرش عليه، ولكن وولزي تدخل بسلطته الدينية وثناه عن عزمه.
وعندما نصل إلى عام 1520م، وهو العام الذي اختاره شيكسبير بداية لأحداث المسرحية، نصل إلى نقطة البداية حقا في الصراع الذي أضفى عليه الكاتب السمات الدرامية، من خلال تجميع الخيوط المتفرقة، والتي عرضنا لبعضها في حياة وولزي، ونعرض الآن للبعض الآخر في حياة الملك.
كان الملك (عند بداية المسرحية) في التاسعة والعشرين، منفصلا عن زوجته الإسبانية، ويبحث جادا عن بديل، وكانت الأحوال السياسية ما تزال مضطربة في القارة الأوروبية. ونرى في المشهد الأول تركيزا على لقاء العاهلين الفرنسي والإنجليزي الذي دبره الكاردينال وولزي، سعيا لإقرار السلام في أوروبا، ومحاولة منه في التقريب بين الدولتين عسى أن ينجح في تزويج أحدهما من أسرة الآخر.
كان هنري الثامن هو الابن الثاني للملك هنري السابع، أول ملوك أسرة تيودور
Tudor ، وقد ولد في جرينتش في 28 يونيو عام 1491م. وعندما توفي أخوه الأكبر آرثر في عام 1502م، أصبح وريثا للعرش. وعندما آل إليه الملك في عام 1509 تعلقت به آمال الشعب، بل إن المؤرخين يبالغون في تصوير مدى تفاؤلهم به وتطلعهم إلى لون من الاستقرار الذي حرموه سنوات طويلة.
أما زوجته كاثرين فكان قد زوجه منها أبوه رغم إرادته، بعد أن توفي أخوه آرثر عام 1502م. والذي حدث هو أن آرثر كان في الخامسة عشرة وكان مريضا عندما تزوج كاثرين التي كانت في السادسة عشرة عام 1501م (14 نوفمبر)، ولم يبق في قيد الحياة بعد ذلك سوى أشهر معدودة، وكانت كاثرين تصر على أنه لم يبن بها، وهنا يختلف المؤرخون في مدى صحة ذلك ؛ فالوقائع تساند احتمال عدم إتمام الزواج فعليا، رغم إجراء مراسمه العلنية. وعلى أي حال فعندما مات آرثر أصبحت كاثرين أرملة (عذراء في زعمها) وكانت قد أحضرت معها صداقا قدره مائتا ألف من الدوكات، وهو مقدار من الذهب يصل إلى عشرات الملايين من الدولارات بعملة العصر الحاضر، وكره هنري السابع أن تعود إلى إسبانيا بهذا المبلغ، فقرر أن يزوجها من هنري ابنه الثاني، الذي كان ما يزال في الحادية عشرة.
واستنكر وارام
Warham
صفحة غير معروفة