وإثر انهزام العرابيين تشكلت نظارة تحت رئاسة المرحوم شريف باشا في سنة 1883 ميلادية، فكنت من أعضائها على ديوان الأشغال العمومية، فوجهت النظر نحو إتمام ما تقرر في المدة السابقة، وفي هذا العام أعني سنة 1883 ميلادية نلت من لندن الحضرة الخديوية التوفيقية رتبة (روملي بيكلر بيك)، وفيها أيضا كانت وابورات الخطاطبة غير كافية لاحتياجات أراضي المديرية، فحصل تنقيح الشروط التي كانت قد عملت مع مسيو داستون على تجديد وابورات بفم ترعة الخطاطبة، ولزيادة مقدار الماء نحو خمسة ملايين متر مكعب بعد أن كان الوارد ثلاثة ملايين، واتخذ الديوان طريق المقاولة في المباني على الإطلاق، ورتب لمراقبة ذلك من يلزم من المهندسين لئلا تخرج الأعمال عما في التعهدات، وجعل لذلك استمارة يجري العمل عليها، ثم أخذ في نقل جسور الترعة الأصلية كي لا تنال الأتربة فيها، وليتمكن من تكرار العمل، ولكثرة العمل قسم على سنين، وجعل بعضه يعمل بالمقاولات على وجه التجربة، والبعض يعمل بأنفار العونة، ثم وجهت الهمة نحو مرمة عمارات جميع المديريات وتجديد ما هو لازم، ورتبت كراكات بالمحمودية لاستدامة قطاعها، وصار مد الترعة الإبراهيمية لسقي زرع مديرية بني سويف، وترتيب كراكات بالإبراهيمية، وبنيت الورشة لترميم الآلات وتجديد ما يلزم، ورتب لها ما يلزم من الأدوات والصناع، وصرف على تطهيرها في هذه السنة نحو سبعة وعشرين ألف جنيه، وبلغ إيرادها في أشد التحاريق نحوا من أربعة ملايين متر مكعب من الماء، ومثل ذلك صار في ترعة الإسماعيلية وصرف عليها نحو أربعة وعشرين ألف جنيه، وكان بحر مويس يقل به الماء في زمن الصيف لكثرة الرمال بفمه، وحدوث الجزائر به وأمامه، ولا ينفعه التطهير الجاري به كل سنة، فرتبت به كراكة بأدواتها وعمالها فزالت منه الرمال وكثر الماء فيه وفي فروعه، واستقر الحال على استعمال الكراكات في الأبحر الكبيرة كالشرقاوية والمنصورية ورياح الوسط ورياح المنوفية والغربية، وأن يكون ذلك على التدريج، وبذلك تخفف التطهيرات الصيفية عن كاهل الأهالي، وما يتحصل من البدلية ربما يوازي ما يصرف على الكراكات ولوازمها مع كثرة فوائد الكراكات جدا عن عمل الأنفار.
وأجريت في تلك السنة أعمال متنوعة فيما يخص التطهيرات والمحافظة على كوبري قصر النيل وسد أبي قير، وأنشئ بالشرقية مدرسة الزقازيق وديوان المديرية وملحقاته، وفي القاهرة أجرى تبليط الشوارع ومرمة أخرى وإنشاء مجارير، ومرمات مبان وترتيب فوانيس غاز على حسب الحاجة، واشترى هراس بخاري وكناسات تجرها البهائم، وتنظيم جنات وميادين، وبلغ مصرف أعمال القاهرة في تلك السنة نحو خمسة وسبعين ألف جنيه، وكذا جرت عمائر وأعمال متنوعة بمدينة الإسكندرية وفي الأقاليم البحرية والقبلية، ففي مديرية الدقهلية قنطرة ترعة الساحل، وكوبري معدني على ترعة أم سلمة، وصار الشروع في جعل ترعة الإيراد في البحر الصغير مصرفا لإحياء أراضي البحر االصغير، وترعة مستجدة بين أطيان الدراكسة وميت سويد وحوشة ببحيرة الطبلية، وفي الغربية صار الشروع في عمل قنطرة مدينة المحلة وقنطرة بسيون، وحولت ترعة سليم الآخذة من الخضراوية من نيلية إلى صيفية؛ ونقلت جسور ترعة الساحل، وفي البحيرة عملت حوشة جديدة على جزيرة الطيرية وتحويلة لجسر النيل بناحية النجيلة، وأخرى وقاية من بتبيت ناحية الأخماس، وفي القليوبية نقلت جسور ترعة كوم بتين وعملت مساطيح لترعتي القرطامية وأبي المنجي، وفي مديرية بني سويف بنيت القناطر السبع في جسر قشيشة وسحارات تحت بعض الترع لنفوذ المياة الحمراء إلى الحيضان، وقناطر أخرى في الجسور للصرف، وعملت قنطرة بالحوض السلطاني، وفي الفيوم قناطر بحر الغرق، وسد فم بحر النزلة القديمة، وعملت به تحويلة لإيصاله بالبحر الأصلي، وفي مديرية المنية عملت قناطر بالحيضان كحوض الطهنشاوي وحوض الجرنوس، وكذا عمل في مديريتي جرجا وقنا.
وإلى ذاك الوقت لم يكن بالمديريات محلات كافية لدواوين الإدارة والقضاء والضبط ونحو ذلك، وكان الموجود منها مبنيا بالطوب النيء أو الدبش على غير نظام، وكانت السجون حجرا مظلمة لا يدخلها النور إلا قليلا، وكان أصحاب الجرائم على اختلاف جرائمهم يخزنون فيها كالأمتعة، يختنق داخلها بمجرد استنشاق هوائها، ففطنت الحكومة الخديوية لذلك وصدر الأمر بإنشائها فعمل ديوان الأشغال التصميمات اللازمة، وشرع في بنائها على التدريج، فبدأ بديواني مديرية الشرقية والمنوفية، وكذا لم يكن بالمديريات مستشفيات داعية إلى الصحة، بل كان بعضها محل مصانع ونحوها وأكثرها متهدم، والسليم منها كمربط البهائم، فعملت تصميمات لتلك الأعمال على حسب أهمية كل مديرية بالكبر أو الصغر، وتدرجت الأعمال على السنين فعمل مستشفيا المنصورة والغربية في تلك السنة، وكذا الذبح كان في الفضاء وجاريا على غير القانون ومنافع الحكومة منه قليلة، فبني مذبح المنصورة والغربية، وجعلت تلك المباني مثالا لما يبنى في سائر المديريات، وبنيت جملة مخازن للمصلح وقراقولات للعساكر وغير ذلك مما لا يسع المقام شرحه.
ولنذكر هنا بعض ملخص التقرير الذي عمل إذ ذاك بديوان الأشغال، وقدم لمجلس النظارة بخصوص الري، واستيفاء أعمال سقي الزراعة الصيفية في زمن التحاريق، وإزالة صعوبة أعمال التطهير عن كاهل الأهالي واتساع نطاق الزراعة والمحصولات، فمن أهم ذلك إتمام ما يلزم لعملية ترعتي الرمادي والإبراهيمية وترعة أخرى مهمة في الأقاليم القبلية لإزالة غوائل الشراقى الذي يتوقع حصوله في بعض السنين، فإن ما يصرف في أعمال تلك الترع أو في ترتيب وابورات لتكميل ري الحيضان المرتفعة ولو كان كثيرا في نفسه، لكنه قليل جدا في جنب ما تخسره الأهالي والحكومة عند حصول الشراقى، فقد كانت خسارة الحكومة وحدها سنة 1877 ميلادية عندما كان النيل أقل من 17 ذراعا وهبط بسرعة أكثر من مليون جنيه، ولا بد أن الأهالي كانوا بمثل ذلك أو أكثر، فضلا عما قاسوه من الضنك والموت، وكثيرا ما يكون النيل أقل من اللازم فتتكرر الخسائر، فمن الضرورى تدارك ذلك بإجراء تلك الأعمال للأمن على الأموال والأنفس، ومن ذلك بناء القناطر اللازمة في جسور الحيضان لتقل كمية الرديف السنوي، وتقل أنفار العونة، وفي الوجه البحري بدلا عن المعالجة في القناطر الخيرية وكثرة الصرف عليها مع طول المدة بترتيب وابورات على شاطئ النيل كافية لسقي المزروعات، وقد جرى البحث عما يلزم لكل مديرية من الوجه البحري، فتبين أنه يكفي جميعها في اليوم والليلة خمسة وعشرون مليون متر مكعب من الماء، بما في ذلك مليون ونصف لمديرية الجيزة، وباعتبار أن الفدان يلزم له عشرون مترا مكعبا كل يوم، وأن وارد النيل في أشد التحاريق هو ثمانية وثلاثون مليونا كل يوم؛ يكون الباقي في مجراه نحو ثلاثة عشر مليونا، ومبلغ الخمسة والعشرين مليونا المذكور موزع على مديريات بحري بحسب زمامها هكذا: لمديريتى القليوبية والشرقية خمسه ملايين منها ثلاثة ملايين وثلث من الوابورات التي وضع على الخليج المصري والشرقاوية والباسوسية، والباقي من النيل بواسطة الإسماعيلية وبحر مويس، ولمديرية الدقهلية أربعة ملايين: منها ثلاثة من الوابورات التي توضع على ترعة الساحل والبحر الصغير، والباقي من النيل بواسطة ترعتي أم سلمه والمنصورية بعد تطهيرهما بالكراكات حسب المطلوب، وللمنوفية والغربية عشرة ملايين منها: سبعة بالآلات البخارية وهي أربعة طقومة: واحد برأس روضة البحرين وآخر خلف القرينين، وثالث على ترعتي الساحل والخضراوية، والرابع بقرب فم البحر الصعيدي، والثلاثة الباقية من النيل بواسطة رياح الوسط، ولمديرية البحيرة أربعة ملايين ونصف من الوابورات الراكبة على المحمودية وترعة الخطاطبة خلاف ما يؤخذ من الرياح، ولمديرية الجيزة مليون ونصف بطقمي آلات أحدهما يوضع على الشاطئ الأيسر للنيل لري أراضي شرق أطفيح، والآخر في رأس المديرية القبلي قرب مصرف جرزة، وتقدم لديوان الأشغال من بعض الشركات المعتبرة طلب بتعهد إجراء تلك الأعمال، فبفرض معاملتها كنص شروط الخطاطبة، وجعل مدة الالتزام خمسا وثلاثين سنة عملت حسبة في الديوان فظهر أن ما يلزم دفعه كل سنة لتلك الشركة مائتان وسبعة وثمانون ألف جنيه مصري موزعة على المديريات هكذا: على مديرية الجيزة تسعة وثلاثون ألفا وثلاثمائة جنيه، وعلى القليوبية والشرقية تسعة وخمسون ألفا ومائة جنيه، وعلى الدقهلية ثمانية وثلاثون ألفا وستمائة وخمسون جنيها، وعلى المنوفية والغربية مائة ألف وألف وثمانية جنيهات، وعلى البحيرة تسعة وأربعون ألفا، وباعتبار أن المزدرع صيفا مليون فدان فقط يخص الفدان سبعة وعشرون قرشا صاغا تقريبا بصرفه تستوفى الزراعة حقها من المياه بسهولة، وإذا اعتبر التوزيع بالنسبة لعموم الزمام يخص الفدان نحو عشرة قروش، ذلك قليل جدا في جنب ما تحصل عليه البلاد من الفوائد التي منها أن رفع المياه بالآلات إلى مستوى ثابت يضمن ثبات مقدار الكمية اللازمة للزراعة مهما بلغت درجة انحطاط النيل وذلك من أهم الأمور، ومنها تنقيص التطهير النسبي بمقدار مهم جدا، ومنها إنه بواسطة الآلات تنال الأراضي المرتفعة والمنحطة من الماء بقدر اللازم فقط، ومنها إنه فضلا عن دوام استيفاء الكميات المقدرة من الماء، فمن الممكن زيادة ارتفاع الماء في الترع أو تنقيصه على حسب الحاجة، فيتوفر على الناس ما ينفقونه في سبيل رفع الماء بالسواقي ونحوها، ومنها إنه بواسطة رفع سطح الماء بحسب الطلب يمكن تحويل جميع الترع النيلية الداخلية إلى صيفية بدون إجراء حفر فيها بحيث يتيسر استخدامها للزراعة الصيفية، فيتمتع الأهالي بالزراعة الصيفية بعد حرمانهم منها. وبالجملة فبجلب المياه إلى الترع بواسطة الآلات يصير مقدار تصرفها كافيا كافلا لاحتياجات الأراضي؛ إذ لا توجد أرض إلا وريها مرتب على ترع نيلية أو صيفية، وقد تكلمنا في كتابنا «نخبة الفكر» على ما يتعلق بالقناطر الخيرية بأبسط عبارة، فليراجع.
ولم تزل هيئة هذه النظارة قائمة على قدم السداد جادة فيما فيه عمارية البلاد وراحة العباد، إلى أن حدثت أمور أوجبت استعفاء النظارة، وتشكلت نظارة أخرى تحت رئاسة دولتلو نوبار باشا، وذلك في أواخر سنة 1883 ميلادية، واستمرت إلى منتصف شهر يولية سنة 1888 ميلادية (1305 عربية)، ثم استعفى وسقطت النظارة، وبتاريخه صدر الأمر العالي الخديوي إلى الجناب المعظم ذي الدولة مصطفى باشا رياض بتشكيل نظارة تحت رئاسته مقلدا حرسه الله مع ذلك نظارة الداخلية والمالية، فجعلت من رجال هذه النظارة مقلدا أيضا نظارة ديوان المعارف، وها أنا الآن قائم بهذا الأمر على حسب المصالح بقدر الإمكان والله المستعان.
وكنت في بلدتي مشغولا بزراعة بعض أرض لي هناك كان قد مضى علي نحو من ثلاثين سنة لم أتوجه إليها بسبب كثرة أشغالي بمصالح الحكومة. ومن طول المدة كانت آلت إلى التلف وصار أغلبها سباخا ، فلما طلبت لهذه الخدمة تركتها، وأخذت في تأدية ما فرض علي قياما بحق وطني، أسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما فيه نفع العباد، وأن يختم لنا وللمسلمين بالخير إنه سميع مجيب الدعوات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (1) باب الحديد، (2) جامع الحاكم، (3) باب النصر، (4) باب الغريب، (5) باب المحروق، (6) باب الوزير، (7) ميدان الرميلة، (8) باب العزب، (9) جامع السلطان حسن، (10) جامع السلطان حسن قلاوون، (11) جامع محمد علي، (12) بئر يوسف، (13) قصر الجوهرة، (14) باب القرافة، (15) باب السيدة، (16) باب طولون، (17) جامع طولون، (18) قصر إلهامي باشا، (19) جامع المارستان، (20) جامع المؤيد، (21) قنصلية إنجلترا، (22) قنصلية هولندا، (23) قنصلية اليونان، (24) قنصلية إيطاليا، (25) قنصلية السويد، (26) قنصلية بروسيا، (27) فندق الشرق، (28) قنصلية فرنسا، (29) فندق المساجيري، (30) قنصلية البرتغال، (31) قنصلية روسيا، (32) قنصلية النمسا، (33) فندق النيل، (34) قصر الأمير حليم باشا، (35) باب اللوق، (36) باب الشيخ ريحان، (37) باب السيدة زينب، (38) باب أيوب بك، (39) معمل ملح البارود، (40) وابور المياه البخاري، (41) شركة الغاز، (42) المرصد، (43) فندق أوربا، (44) ورش السكة الحديدية، (45) المسبك، (46) الترسانة، (47) الطواحين، (48) إدارة المحافظة والمحكمة، (49) قصر الأمير أحمد، (50) الكنيسة الإنجليزية، (51) الكنيسة القبطية، (52) مستشفى قصر العيني، (53) المستشفى اليوناني، (54) فندق التجارة، (55) فندق فرنسا، (56) فندق اسطفان، (57) بيت قنصل فرنسا، (58) فندق السفراء، (59) النادي الشرقي، (60) قهوة الإلدرادو، (61) نادي جلوب.
صفحة غير معروفة