والآن بينما كان يسير على الرصيف، رأى ليا وهي تتجه نحوه في نور الصباح المبكر الوضاء. كانت تدفع عربة أطفال تجلس بداخلها طفلة صغيرة يقارب عمرها العامين، وكانت تضرب بقدميها مسند القدمين المعدني. وكان هناك طفل آخر أكثر إدراكا وكان يتشبث بتنورة أمه، أو بالأحرى بما كان بنطالا طويلا برتقاليا، ترتدي معه بلوزة بيضاء فضفاضة أشبه بالقميص التحتي. كان شعرها لامعا بصورة أكبر عن ذي قبل، وبدت ابتسامتها التي لم يرها مطلقا من قبل وكأنها تغمره بالسعادة.
ربما كانت واحدة من صديقات إيزابيل الجدد اللواتي كن في معظم الأحيان يصغرنها أو وصلن مؤخرا إلى البلدة، بالرغم من أنه كان هناك القليل ممن كن أكبر سنا منها، وكن من السكان المتحفظين الذين اعتنقوا معتقدات تلك الحقبة الجديدة البراقة؛ فطرحن جانبا وجهات نظرهن السابقة، وتغيرت لغتهن ومالت إلى أن تكون سطحية وبها شيء من الفظاظة.
شعر بخيبة أمل عندما لم يعثر على أية مجلات جديدة في مكتب البريد، ولم يكن الأمر أن تلك المجلات كانت تعني الكثير بالنسبة إلى إيزابيل الآن؛ فقد كانت في السابق تهتم بالمجلات التي تتناول جميعها موضوعات جادة تحث على التفكير ولكنها تحتوي أيضا على رسوم كاريكاتورية بارعة كانت تثير ضحكها. وحتى إعلانات المجوهرات والفراء كانت تجعلها تضحك أيضا، وكان يتمنى - ولا يزال - أن ترفع تلك الأشياء من معنوياتها، وها قد أصبح لديه الآن شيء ليخبرها به، ألا وهو ليا.
حيته ليا بصوت جديد وتظاهرت بالدهشة من أنه قد عرفها، حيث إنها - بحسب قولها - قد كبرت وقاربت أن تكون امرأة عجوزا. قدمت له الطفلة الصغيرة التي لم ترفع بصرها نحوه واستمرت تدق بقدميها على مسند القدمين بصورة إيقاعية منتظمة، وقدمت له الصبي الذي شاح بوجهه وراح يتمتم بكلمات غير مفهومة. راحت توبخ الصبي الصغير لأنه لم يكن يريد التوقف عن التشبث بملابسها. «نحن على جانب الطريق الآن، يا صغيري العزيز.»
كان اسمه ديفيد، والصغيرة تدعى شيلي. لم يكن راي يتذكر هذين الاسمين من الجريدة، وكان يعتقد أنهما اسمان عصريان للغاية.
قالت إنهم كانوا يقيمون مع والدي زوجها.
إنهم ليسوا في زيارة لهما؛ بل هم مقيمون معهما. لم يفكر في ذلك إلا لاحقا، وربما لم يكن يعني شيئا. «لقد كنا في طريقنا إلى مكتب البريد.»
أخبرها بأنه كان عائدا من هناك لتوه، ولم يكونوا قد انتهوا من عملية الفرز بعد. «أوه، هذا سيئ. اعتقدنا أنه يمكن أن يكون قد وصل خطاب من أبيهما، أليس كذلك يا ديفيد؟»
تعلق الصبي الصغير بملابسها مرة أخرى. «سننتظر حتى ينتهوا من عملية الفرز؛ فربما يكون هناك خطاب منه.»
كان هناك شعور بأنها لا تريد أن تفارق راي بعد، ولم يكن هو يريد ذلك أيضا، لكن كان من الصعب التفكير في شيء آخر ليفتح مجالا للحوار.
صفحة غير معروفة