عزيزتي فيرن، نظرا لظروف خارجة عن إرادتي سأرحل اليوم في سيارتي البونتياك التي أثق بها وأتجه إلى بعض البلدان غربا. لا يزال هناك الكثير لم أشاهده في العالم، ولا معنى لأن أظل مسجونا هنا. قد أرسل لك بطاقة بريدية من كاليفورنيا أو ألاسكا، من يدري؟ كوني فتاة طيبة كما أنت دوما واستمري في لعق هذه الطوابع وفتح الخطابات بالبخار؛ فقد تجدين مائة دولار يوما ما. عندما تموت أمي سوف أعود للمنزل على الأرجح، لكن لن أمكث طويلا. وداعا، آرت.
لقد كانت هي اليد نفسها التي كتبت: «ديل فتاة شقية.»
قالت أمي وهي تدخل إلى الغرفة: «العبث بالبريد جريمة فدرالية، لا أظن أن ما يقوله لطيفا.»
أخذت توزع الجزر المعلب والبطاطس المهروسة وأرغفة اللحم. مهما كان الموسم، كنا نتناول وجبة دسمة في منتصف اليوم.
قالت فيرن وهي تتنهد: «يبدو أن هذا الأمر لم يؤثر على شهيتي على أية حال.» ثم وضعت صلصة الطماطم على الطعام وأردفت: «كان يمكنني أن أحظى به قبل وقت طويل إذا أردت هذا، بل لقد كتب لي خطابات يتحدث فيها عن الزواج. كان علي أن أحتفظ بها، فكان بإمكاني مقاضاته للحنث بوعد الزواج.»
قالت أمي بحماس: «جيد أنك لم تفعلي، وإلا فماذا كان سيحل بك اليوم؟» «لم أفعل ماذا؟ لم أقاضه للحنث بالوعد أم لم أتزوج به؟» «لم تتزوجي به. إن المقاضاة للحنث بوعد الزواج أمر يحط من قدر المرأة.» «أوه، لم يكن الزواج يمثل لي خطرا.» «كان لديك غناؤك، وكان لديك حبك للحياة.» «كنت عادة أحظى بوقت طيب، وكنت أعرف عن الزواج ما يكفي لأن أعرف أنه يعني انتهاء كل الأوقات الطيبة.»
كانت فيرن تعني بكلامها عن الأوقات الطيبة الذهاب للحفلات الراقصة على شاطئ بحيرة بافيليون، والذهاب لفندق ريجنسي في تابرتون لاحتساء الشراب وتناول العشاء، والتنقل بالسيارة من نزل لآخر في ليالي السبت. حاولت أمي أن تفهم هذا النوع من المتع لكنها لم تستطع ذلك، كما أنها لم تستطع أن تتفهم لماذا يركب الناس ألعاب الملاهي ثم ينزلون عنها ليتقيئوا ثم يعودون للركوب مجددا.
لم تكن فيرن من نوعية النساء التي تشعر بالأسى والحزن، برغم معرفتها بفن الأوبرا. وكانت مشاعرها التي تعبر عنها هي أن الرجال دائما ما يرحلون، وهذا أفضل قبل أن تسأمي منهم. لكنها صارت ثرثارة للغاية ولا تصمت أبدا.
فقالت لأوين أثناء العشاء: «قدر ما كان آرت سيئا، فإنه لم يكن يلمس الخضروات الصفراء أبدا. لا بد أن والدته كانت تبرحه ضربا في صغره، هذا ما كنت أقوله له.»
وقالت لأبي: «إن بنيتك على النقيض من بنية آرت؛ فقد كان يجد صعوبة في تفصيل حلله لأن جسمه كان طويلا وساقيه قصيرتان، وكان خياط رانسوم في تابرتون هو الوحيد الذي يستطيع أن يفصل له حللا تلائمه.» «مرة واحدة فقط رأيته يفقد أعصابه، كنا عند بحيرة بافيليون وذهبنا للرقص، وهناك طلب أحدهم أن يراقصني فنهضت معه، فماذا يمكن أن أفعل؟! ثم حدث أن دفن هذا الرجل وجهه في عنقي، ثم أخذ يلعق عنقي كما لو كان يأكل مثلجات بالشوكولاتة! حينها قال له آرت: «إذا أردت أن تسيل لعابك فلا تفعل هذا على فتاتي، فلربما أردتها لنفسي.» ثم جذبه بعنف بعيدا عني. فعل هذا حقا!»
صفحة غير معروفة