قالت ناعومي بصرامة: «لا يمكن أن يكون قد أمسكها عنوة، فكيف له أن يمسكها عنوة ويضاجعها في الوقت نفسه، كيف يمكنه هذا؟» «لماذا لا تسألينه أنت؟ سوف أخبره أنك تريدين أن تعرفي.»
قالت ناعومي متجاهلة ما قلت: «تقول أمي: إنها غلطة الفتاة، إن الفتاة هي المسئولة؛ لأن أعضاءنا الجنسية في داخل أجسادنا أما أعضاؤهم فهي خارج أجسادهم، ونحن نستطيع أن نتحكم في رغباتنا خيرا منهم، فالصبي لا يستطيع أن يتمالك نفسه.» كانت توجهني بنبرة منذرة ومع ذلك متساهلة بصورة غريبة تقر بالفوضى والوحشية الغامضة التي تسود العالم المجاور لنا.
كان من الصعب مقاومة الحديث في تلك الأمور، لكنني مع هذا أثناء سيري في شارع ريفر، غالبا ما كنت أتمنى لو أنني احتفظت بسري لنفسي كما نتمنى جميعا لو أننا احتفظنا بأسرارنا لأنفسنا. قالت ناعومي: «فرانك ويلز لم يبلغ بعد؛ إذ إن صوته لم يتغير.» لا بد وأنها كانت تنقل معلومة أخرى من معلومات والدتها، وقد كنت مهتمة أن أعرف لكن في الوقت نفسه منزعجة، كما لو أن مشاعري تجاهه صنفت تصنيفا خاطئا، وذهبت في اتجاه غير متوقع بالمرة. لم أكن أعرف في الواقع ماذا أريد من فرانك ويلز. كنت أحلم به في يقظتي حلما يتكرر كثيرا، كنت أتخيله يسير معي إلى البيت بعد أداء الأوبريت. (فقد أصبح متعارفا عليه أن الصبية - بعض الصبية - يسيرون إلى منازلهم مع البنات - بعض البنات - في ليلة عرض الأوبريت، لكنني وناعومي لم نناقش حتى احتمالية فعل ذلك، فقد كنا نحذر التفوه بأمانينا الحقيقية). فنسير نقطع طرقات جوبيلي التي يخيم عليها الصمت تماما، نسير تحت أضواء الشوارع وظلالنا تدور وتغرق في الجليد، وهناك في المدينة الجميلة المهجورة المظلمة سوف يحيطني فرانك إما بغنائه الحقيقي الرقيق الهادئ الذي لا يصدق، أو - في النسخ الأكثر واقعية من الحلم - يحيطني بالموسيقى غير المسموعة التي يعزفها مجرد وجوده معي. وكان في الحلم يرتدي قبعته المدببة - التي هي أقرب لقبعات الحمقى - والعباءة المرقعة بألوان عديدة - يغلب عليها اللون الأزرق - التي أعدتها له الآنسة فاريس. كنت دائما أختلق هذا الحلم لنفسي وأنا على شفا النوم، وكان من الغريب مدى ما يجعلني أشعر به من سعادة ورضى، ومدى ما يغدق علي من سلام وسلوان، فكنت أغمض عيني وأسبح فيه حتى أبلغ أحلامي الحقيقية والتي لم تكن أبدا بتلك الرقة، وإنما مليئة بمشاكل صغيرة كجوارب مفقودة، أو عدم قدرة على إيجاد مكان فصل الصف الثامن، أو أمور مرعبة مثل الرقص على مسرح البلدية، ثم اكتشاف أني نسيت أن أعتمر غطاء رأسي.
خلال بروفة الملابس صرخت الآنسة فاريس كي يسمع الجميع: «يبدو أنني سوف أقفز من فوق مبنى البلدية، يبدو أنني سأقفز الآن! هل أنتم مستعدون جميعا لتحمل المسئولية؟» وأخذت تجذب وجنتيها بأصابعها المفرودة بقوة، لدرجة أنها بدت كما لو كانت ستترك تجاعيد على وجهها. «إلى الخلف، تراجعوا، انسوا الخمس عشرة دقيقة الفائتة، انسوا النصف ساعة الفائتة، ابدءوا مرة أخرى من البداية!» ابتسم السيد بويس بارتياح وبدأ يعزف موسيقى الكورس الافتتاحي. •••
ثم جاءت الليلة الموعودة، حان الوقت واحتشد الجمهور، والمكان الذي اعتدنا أن يخيم عليه الظلام ويتردد فيه صدى الصوت أصبح مليئا بالحركة والسعال والناس المتأنقين المترقبين. كان المسرح أكثر سطوعا وأكثر ازدحاما - بواجهات المنازل المصنوعة من الورق المقوى والنافورة المصنوعة من الورق المقوى - مما عرفناه في أي وقت سابق. ثم حدث كل شيء بسرعة شديدة، ثم انتهى، انقضى، لم يكن مهما كيف جرى الأداء؛ إذ كان يجب أن يتم ولا يمكن استرجاع ما حدث. لا يمكن استرجاع أي شيء. وبعد كل هذا التدريب، كان من العسير تصديق أن الأوبريت يقدم بالفعل. كان السيد بويس يرتدي حلة ذات ذيل، والتي قال الناس: إنها تبدو سخيفة.
كانت قاعات المجلس (التي تقع أسفل خشبة المسرح مباشرة وتتصل بها من خلال سلم خلفي) مقسمة إلى غرف لتبديل الملابس باستخدام ملاءات معلقة على حبال، وكانت الآنسة فاريس (التي كانت تضع مئزرا فوق فستانها الجديد القصير الضيق ذي اللون الوردي الضارب إلى الحمرة) تتحرك هنا وهناك؛ فترسم الحواجب والشفاه، وتضع نقاطا حمراء في أركان الأعين، وترش لونا أصفر على شحمات الآذان، وتغمر الشعر بنشا الذرة. ثم حدثت جلبة فظيعة؛ فقد فقدت قطع مهمة من الأزياء، وأحدهم وطئ بقدمه على طرف فستان زوجة العمدة فمزقه من عند الخصر، وادعت آلما كودي أنها تناولت أربع حبات أسبرين لتهدئة أعصابها فأصابها ذلك بالدوار، وأخذت تتصبب عرقا باردا، فجلست على الأرض تقول إنها ستفقد وعيها. وسقطت بعض الملاءات أرضا فرأى بعض الصبية البنات وهن في ملابسهن الداخلية، وحدث العكس كذلك. كما دخل بعض البنات من أعضاء الكورس إلى قاعات المجلس - ولم يكن يفترض بهن ذلك - واصطففن بجرأة بتنوراتهن السوداء وقمصانهن البيضاء ولم تنتبه الآنسة فاريس فدهنت وجوههن كذلك.
كانت لا تنتبه لأمور كثيرة. توقعنا أن تكون شرسة كما كانت طوال الأسبوع، لكن لم يحدث أي شيء من هذا، قالت ناعومي ووجنتاها متوردتان وهي ترتدي ثوب الأمهات: «لعلها مخمورة، أظنني شممت منها رائحة ما.» لم أشم منها أية رائحة سوى ماء التواليت برائحة الزهور البرية ونفحة من عرق رائحته أشبه برائحة الفلفل. لكنها كانت متألقة - بذاك الترتر الذي يحدد حواف سترة زيها بنمط عسكري هزلي - وتتحرك بخفة ورشاقة على غير عادتها، وتتحدث بنعومة، تتحرك وسط كل ذاك الاضطراب بتقبل شديد.
قالت لزوجة العمدة: «ثبتي تنورتك بالدبابيس يا لويز، ليس في وسعك شيء الآن، لن يلحظ الجمهور من مكانه أي شيء.»
لن يلحظ الجمهور! هي من تقول ذلك وهي التي كانت صعبة الإرضاء حتى في أدق التفاصيل، حتى إنها قد أجبرت بعض الأمهات على أن يمزقن ما انتهين من حياكته ويعدنه ثلاث مرات!
وقالت لآلما كودي: «فتاة كبيرة قوية وصحيحة البدن مثلك تستطيع أن تتناول ست حبات أسبرين دون أن يطرف لها جفن، قفي على قدميك يا سيدتي.»
صفحة غير معروفة