وتردد مخلوف قليلا ثم سمع مشورة الرافعي ... وتهيأ لكتابة نقده ...
ومضى أسبوع، ثم نشر «المقطم» في صدره مقالا مجودا للأستاذ مخلوف في نقد ديوان وحي الأربعين، تناوله بأدب وهدوء في بضعة عشر موضعا، وأرجأ بقية النقد إلى عدد تال ... ومضى يومان وكتب العقاد في صحيفة الثلاثاء من جريدة الجهاد رده على مخلوف ...
لم يكن مخلوف حين كتب مقاله الأول للمقطم مقدرا أن العقاد سيتناوله بهذه القسوة، ولكنه فوجئ مفاجأة شديدة بما كتب العقاد ...
لم يرد العقاد رد الأديب على ناقده، ولكنه راح يتهكم عليه ويسخر منه ويستهزئ بعلمه وأدبه ومقدرته على فهم الشعر، وإذ كان مخلوف من مدرسي اللغة العربية في مدارس الحكومة، فإن العقاد قد انتهزها سانحة ليطعن على مدرسي اللغة العربية في مدارس الحكومة، ويلحد في كفايتهم وعلمهم، ويعود بالسبب في ضعف اللغة العربية في المدارس على مخلوف وزملاء مخلوف، ولم تسلم مدرسة دار العلوم التي تخرج فيها مخلوف، ولم يسلم واحد من مدرسي اللغة العربية، من تهكم العقاد وسخريته في هذا المقال؛ لأن واحدا منهم كتب ينقده ويحاول رده إلى الصواب فيما رآه أخطأ فيه ...!
وكتب مخلوف مقاله الثاني يرد مطاعن العقاد، ويتمم ما بدأ في نقد وحي الأربعين، ولكن المقطم أغلقت دونه الباب ولم تنشره؛ كرامة للعقاد وحرصا على مودته ...
وغضب مخلوف وتألم، ولكنه طوى صدره على ما فيه ... وكنا جماعة من مدرسي اللغة العربية نصلي الجمعة كل أسبوع في مسجد المنشاوي بطنطا، فلقينا هناك مخلوفا فما رآه المدرسون حتى انهالوا عليه وركبوه بالعتب القاسي، وكلهم قرأ مقال العقاد في الطعن على مدرسي اللغة العربية بسبب مخلوف، وقليل منهم من قرأ مقال مخلوف، وحاول مخلوف أن يعتذر، ولكن اعتذاره ضاع بين ضجيج إخوانه وحملتهم عليه فلم يستمع له أحد!
وقلت للرافعي مازحا ولقد لقيته بعد ذلك: «لقد كنت أنت السبب فيما نال مخلوفا من إخوانه، وفيما نال مدرسي اللغة العربية من لسان العقاد، فأنت الذي هجت مخلوفا إلى هذه المعركة، فانتهت إلى ما انتهت إليه بينه وبين إخوانه، وكانت سببا فيما كتب العقاد عن دار العلوم ومدرسي اللغة العربية ...»
وكان لمخلوف عند الرافعي منزلة، ولدار العلوم في نفسه مكان، ولكنه أجابني: «وماذا علي أنا فيما كتب مخلوف، وفيما رد العقاد؟»
قلت : «لولاك لم يكتب مخلوف فيتعرض لما تعرض له من لسان العقاد ومن عتب إخوانه، ولولا ما كتب مخلوف لبقيت دار العلوم بريئة من العيب لم يطعن فيها العقاد ولا غير العقاد!»
وقصدت فيما قلت - ومعذرة إلى الأستاذ العقاد - أن أهيج الرافعي للكتابة عن العقاد، فيشهد أدباء العربية معركة جديدة بين الأديبين الكبيرين يكون لهم من ورائها نفع ومتاع ولذة ... وبلغت ما قصدت إليه، ووعد الرافعي بأن يكتب ما في نفسه من ديوان وحي الأربعين، ولكن على شرط أن أشتري له نسخة على حسابي من الديوان؛ لأنه يأبى أن يدفع قرشا من جيبه في كتاب من كتب العقاد ...!
صفحة غير معروفة