14
على السفود
وفرغ الرافعي من مقالات عبد الله عفيفي التي كان ينشرها بعنوان «على السفود»، ثم ذهب مرة لزيارة صديقه الأستاذ إسماعيل مظهر صاحب العصور وما يزال في نفسه شيء مما كان من المحاورة بينه وبين العقاد، فسأله الأستاذ مظهر تتمة هذه السلسلة في نقد الأستاذ عفيفي، فاعتذر الرافعي وقال: حسبي ما كتبت عنه وحسبه، قال مظهر: فاكتب عن غيره من الشعراء، إن في هذه المقالات لمثالا يحتذيه الذين يريدون أن يحرروا بالنقد عقولهم من عبادة الأشخاص ووثنية الصحافة!
فتنبه الرافعي إلى شيء في نفسه، وجلس إلى مكتب في دار العصور فكتب مقاله الأول من كتاب على السفود في نقد العقاد، وتوالت مقالاته من بعد في أعداد المجلة متتابعة في كل شهر، فلما تمت هذه المقالات، نشرها الأستاذ إسماعيل مظهر في كتاب قدم له بمقدمة بإمضائه يبين فيها ما دفعه إلى نشر هذا الكتاب الذي لم يكتب على غلافه اسم مؤلفه، ورمز إليه بكلمة «بقلم إمام من أئمة الأدب العربي». •••
إن هذه الخصومة العنيفة بين الرافعي والعقاد قد تجاوزت ميدانها الذي بدأت فيه ومحورها الذي كانت تدور عليه، إلى ميادين أخرى جعلت كلا من الأديبين الكبيرين ينسى مكانه ويغفل أدبه ليلغ في عرض صاحبه ويأكل لحمه من غير أن يتذمم أو يرى في ذلك معابة عليه، وكان البادئ بإعلان هذه الحرب هو الرافعي في مقالاته على السفود ...
هم ثلاثة أو أربعة من كتاب العربية في الجيل الحديث كانت لهم هذه الخلة المرذولة في النقد وفي أساليب الجدل، هذان اثنان منهم، وكان للرافعي مع كل واحد من الاثنين الآخرين معركة، على أن أشد هذه المعارك عنفا وأبعدها عن حدود الأدب اللائق هي المعركة بينه وبين العقاد!
وكان بدء هذه المعركة هو ذلك الحديث الذي دار بين الرافعي والعقاد في دار المقتطف، حول حقيقة إعجاز القرآن، وكتاب إعجاز القرآن، وكان للعقاد فيهما رأي غير رأي الرافعي، فكانت غضبة الرافعي الأولى لكرامة القرآن والعقاد ينكر إعجازه، ولكتابه والعقاد يجحد فضله، ثم كانت الغضبة الثانية للتهمة التي رماه بها العقاد حين جبهه بأنه افترى كتاب سعد ونحله إياه في تقريظ إعجاز القرآن ليروج عند الشعب ...
فثمة سبب عام أنشأ هذه الخصومة، هو إيمان الرافعي بإعجاز القرآن إيمانا لا يتناوله الشك، وسببان خاصان، هما: رأي العقاد في كتاب الرافعي، ثم تهمته له بأنه مفتر كذاب ...!
ترى أي هذه الأسباب الثلاثة هو الذي أثار الرافعي فدفعه إلى الخروج عن الوقار والأدب الواجب فيما أنشأ من مقالات «على السفود» ...؟
الرافعي يقول: إنها غضبة لله وللقرآن، وللتاريخ رأي لست أدري أيفارق هذا الرأي أو يلتقي وإياه على سواء ...؟
صفحة غير معروفة