وعفا الله عن أهل الأدب! •••
هذا كل ما تلقيت من اعتراض المعترضين من أهل الأدب أو من أهل الدعوى، وعلى أي الوجوه انتهى رأي الأدباء في تحقيق هذه القصة، فإن ما لا شك فيه أن الرافعي كان يحب «فلانة»، وهذا حسبي، فما يعنيني من هذا التاريخ إلا إثبات المؤثرات التي كانت تعمل في نفس الرافعي فتلهمه الشعر والبيان، أما هي وما كان منها وحقيقة عواطفها، فشيء يتصل بتاريخها هي بعد عمر مديد!
ونعود إلى تتمة القصة بالحديث عن كتب الرافعي في فلسفة الجمال والحب.
رسائل الأحزان
هي رسائل الأحزان، لا لأنها من الحزن جاءت ، ولكن لأنها إلى الحزن انتهت، ثم لأنها من لسان كان سلما يترجم عن قلب كان حربا، ثم لأن هذا التاريخ الغزلي كان ينبع كالحياة وكان كالحياة ماضيا إلى قبر ...!
الرافعي
خرج الرافعي من مجلس صاحبته مغضبا على ما روينا، في نفسه ثورة تؤج، وفي أعراقه دم يفور، وفي رأسه مرجل يتلهب، وكتب إليها كتاب القطيعة وأرسل به ساعي البريد، ثم عاد إلى نفسه فما وجد فيما كتب شفاء لنفسه، ولا هدوءا لفكره، ولا راحة في أعصابه، وأحس لأول مرة منذ كان الحب بينه وبين صاحبته أنه في حاجة إلى من يتحدث إليه، وافتقد أصحابه فما وجد منهم أحدا يبثه أحزانه ويفضي إليه بذات صدره، ويطرح بين يديه أحماله، لقد شغله الحب عن أصحابه عاما بحاله لا يلقاهم ولا يلقونه، ولا يتحدث إليهم ولا يتحدثون، فلما عاد إليهم كان بينه وبينهم من البعد ما بين مشرق عام ومغربه، بلياليه وأصباحه وتاريخه وحوادثه، وثقلت عليه الوحدة وضاقت بها نفسه، ففزع إلى قلمه يشكو إليه ويستمع إلى شكاته، فكتب الرسالة الأولى من «رسائل الأحزان» إلى صديقه الذي خصه بسره ... إلى نفسه ...
وترادفت رسائله من بعد مسهبة ضافية يصف فيها من حاله ومن خبره وما كان بينه وبين صاحبته، في أسلوب فيه كبرياء المتكبر، ولوعة العاشق، ومرارة الثائر الموتور، و... وذلة المحب المفتون يستجدي فاتنته بعض العطف والرحمة والحنان.
بدأ الرافعي كتابه «رسائل الأحزان» في يناير سنة 1924، وانتهى منه في مساء 17 من فبراير سنة 1924. •••
يخاطب الرافعي نفسه في «رسائل الأحزان» على أسلوب «التجريد» فهو يزعم أنها رسائل صديق بعث بها إليه، فتراه يوجه الخطاب فيها إلى ذلك الصديق المجهول يستعينه على السلوان بالبث والشكوى، ثم يصطنع على لسان ذلك الصديق نتفا من الرسائل يدير عليها أسلوبا من الحديث في رسائله هو، وما هناك صديق ولا رسائل، إلا الرافعي ورسائله، يتحدث بها إلى نفسه عن حكاية حبه وآماله وما صار إليه.
صفحة غير معروفة