وكان يحبها أديبة فيلسوفة شاعرة، فعاد يباعد بينه وبينها؛ أنها فيلسوفة شاعرة! •••
وهي امرأة كانت - إلى أدبها وفلسفتها - «فتنة خلفت امرأة، فإذا نظرت إليك نظرتها الفاترة فإنما تقول لقلبك: إذا لم تأت إلي فأنا آتية إليك ... وهي أبدا تشعر أن في دمها شيئا لا يوصف ولا يسمى، ولكنه يجذب ويفتن، فلا تراها إلا على حالة من هذين، حتى ليظن كل من حادثها أنها تحبه وما به إلا أنها تفتنه ...
رشيقة جذابة تأخذك أخذ السحر؛ لأن عطر قلبها ينفذ إلى قلبك من الهواء، فإذا تنفست أمامها فقد عشقتها ...
أما أنوثتها فأسلوب في الجمال على حدة، فإذا لقيتها لا تلبث أن ترى عينيك تبحثان في عينيها عن سر هذا الأسلوب البديع، فلا تعثر فيهما بالسر، ولكن بالحب وتنظر نظرة الغزال المذعور ألهم أنه جميل ظريف فلا يزال مستوفزا يتوجس في كل حركة صائدا يطلبه ...»
13
والرافعي رجل كان - على دينه وخلقه ومروءته - ضعيف السلطان على نفسه إذا كان بإزاء امرأة، فما هو إلا أن يرى واحدة لها ميزة في النساء حتى يتحرك دمه، وتنفعل أعصابه، وما كان - رحمه الله - يرى في شدة الإحساس بالرجولة وفي سرعة الاستجابة العصبية إلى المرأة إلا أنها أحد طرفي النبوغ، أو أحد طرفي النبوة كما كان يقول، فما كان يرى له وقاية من سحر المرأة حين يحس أثرها في نفسه إلا أن يسرع في الفرار، وكثيرا ما كان يقول: «الفرار الفرار، إنه الوسيلة الواحدة إلى النجاة من وسوسة الشيطان وغلبة الهوى ...!»
وقالت له نفسه: «ما أنت وهذا الحب الذي سلبك الإرادة وغلبك على الكبرياء، ويوشك أن يهوي بك من وسوسة النفس وفتنة الهوى إلى أرذال البشرية ...!»
فكان لصوت النفس في أعماقه صدى بعيد ... •••
وكان يحبها ليجد في حبها ينبوع الشعر، فما وجد الحب وحده، بل وجد الحب والألم وثورة النفس وقلق الحياة، ووجد في كل أولئك ينابيع من الشعر والحكمة تفيض بها نفسه وينفعل بها جنانه ويضيء بها فكره، وكان آخر حبه الألم، وكانت آلامه أول قدحة من شرار الشعر والحكمة ...
وقالت له نفسه: «ها أنت ذا قد بلغت من الحب ما كنت ترجو، فلم تبق إلا الغاية الثانية، وإنك عنها لعف كريم ...!» •••
صفحة غير معروفة