4
مشغلة في الليل والنهار.
وكان الرافعي أول من يغشى مجلسها يوم الثلاثاء وآخر من ينصرف، فإن منعه شيء عن شهود مجلسها في القاهرة كتب إليها من طنطا وكتبت إليه، على أن يكون له عوض مما فاته يوم وحده ...
كان يحبها حبا عنيفا جارفا لا يقف في سبيله شيء، ولكنه حب ليس من حب الناس، حب فوق الشهوات وفوق الغايات الدنيا؛ لأنه ليس له مدى ولا غاية.
لقد كان يلتمس مثل هذا الحب من زمان ليجد فيه ينبوع الشعر وصفاء الروح، وقد وجدهما، ولكن في نفسه لا في لسانه وقلمه، وأحس وشعر وتنورت نفسه الآفاق البعيدة، ولكن ليثور بكل ذلك دمه وتصطرع عواطفه، ولا يجد البيان الذي يصف نفسه ويبين عن خواطره ...
بلى، قد كتب ونظم وكان من إلهام الحب شعره وبيانه، ولكنه منذ ذاق الحب أيقن أنه عاجز عن أن يقول في الحب شعرا وكتابة، ومات وهو يدندن بقصيدة لم ينظمها ولم يسمع منها أحد بيتا؛ لأن لغة البشر أضيق من أن تتسع لمعانيها أو تعبر عنها؛ لأنها من خفقات القلب وهمسات الوجدان.
و«هي» أديبة فيلسوفة شاعرة، فمن ذلك كان حبها وكان وحبه «من خصائصها أنها لا تعجب بشيء إعجابها بدقة التعبير الشعري ... إنها تريد أن تجمع إلى صفاء وجهها وإشراق خديها وخلابتها وسحرها، صفاء اللفظ وإشراق المعنى وحسن المعرض وجمال العبارة، وهذا هو الحب عندها ...» «... ولا يستخرج عجبها شيء كما يعجبها الكلام المفنن المشرق المضيء بروح الشعر، فهو حلاها وجواهرها، وما لسوق حبها من دنانير غير المعاني الذهبية، فإنها لا تبايعك صفقة يد بيد، ولكن خفقة قلب على قلب.»
5 •••
وكذلك تحابا، وتراءيا قلبا لقلب، وتكاشفا نفسا لنفس، ومضى الحب على سنته، ونظر الرافعي إليها وإلى نفسه وراح يحلم، وخيل إليه أنه يمكن أن يكون أسعد مما هو لو أنها ... لو أنها كانت زوجته ...
6
صفحة غير معروفة