هذه كلها سحر وفتنة، تعترك حولها شهوات الرجال، وتترامى إليها أماني الشباب، ولكن رجلا واحدا بين النظارة لم يكن يبصر شيئا من ذلك، رجلا لم يكن أحد - فيمن أعرف - أضعف منه بإزاء سحر المرأة، ولكنه الليلة شخص غير من أعرف، وهذه الراقصة بإزائه غيرها بإزاء الناس ... هي في عين الجميع أنثى فاتنة، ولكنها بعينيه قدسية تستحق التبجيل والاحترام ...
كانت على عين الجميع راقصة تغني، وكانت بعينيه عابدة تسبح وتصلي ... كان الناس ينظرون إلى الراقصة وهي تفتن في إغراء الرجال بالنغمة والحركة والرنوة الفاتنة، وكان الرافعي ينظر في أعماق نفسه إلى صورة أخرى رسمها من خياله فقامت حياله تريه ما لا يراه الناس!
وانفض السامرون إلا قليلا تحلقوا حول الموائد يقرعون كأسا بكأس، ونهض الرافعي فيمن نهض ...
ومضى يومان، ثم دعاني ليملي علي مقالة «في اللهب ولا تحترق!»
ولما فرغ الرافعي من شأن هذه المقالة، دعا إليه بصديقه «ع» يستزيده من خبر هذه الياقوتة الكريمة، ويسأله الوسيلة إلى لقائها إن كان بينهما سبب، لعل اجتماعا بينها وبين الرافعي يفتق ذهنه عن موضوع جديد يكتبه لقراء الرسالة، فابتسم الصديق «ع» وقد دبر في نفسه حيلة تجمع بينها وبينه، وهل يعجزه - وهو من هو - أن يجد وسيلة لمثل هذا اللقاء ليمضي في مزحته إلى النهاية؟
وذهب «ع» يسأل عن الراقصة ويستقصي خبرها فعرف ...
لقد فرت «الياقوتة» مع موسيقي الفرقة، ومضى زوجها في أثرهما، فانحلت الفرقة وغادرت المدينة.
وجاء النبأ إلى الرافعي، فما عرف إلا من بعد أنها كانت مزحة من الصديق «ع» فأسرها في نفسه ...
وعاد الرافعي إلى المقال يقرؤه منشورا في الرسالة وهو يضحك ويقول: «أهذا ممكن؟ أهذا مما يكون؟ أتكون في اللهب ولا تحترق؟»
فرد الصديق «ع» قائلا: «لقد احترقت!»
صفحة غير معروفة