الإهداء
سجل المراجع
تعريف بالكتاب
تقديم الكتاب
تقديم الطبعة الثانية
تقديم الطبعة الثالثة1
1 - بلاد العرب قبل الإسلام
2 - مكة والكعبة وقريش
3 - محمد: من ميلاده إلى زواجه
4 - من الزواج إلى البعث
صفحة غير معروفة
5 - من البعث إلى إسلام عمر
6 - قصة الغرانيق
7 - مساءات قريش
8 - من نقض الصحيفة إلى الإسراء
9 - بيعتا العقبة
10 - هجرة الرسول
11 - أول العهد بيثرب
12 - السرايا1 والمناوشات الأولى
13 - غزوة بدر الكبرى
14 - بين بدر وأحد
صفحة غير معروفة
15 - غزوة أحد
16 - آثار أحد
17 - أزواج النبي
18 - غزوتا الخندق وبني قريظة
19 - من الغزوتين إلى الحديبية
20 - عهد الحديبية
21 - خيبر والرسل إلى الملوك
22 - عمرة القضاء
23 - غزوة مؤتة
24 - فتح مكة
صفحة غير معروفة
25 - حنين والطائف
26 - إبراهيم ونساء النبي
27 - تبوك وموت إبراهيم
28 - عام الوفود وحج أبي بكر بالناس
29 - حجة الوداع
30 - مرض النبي ووفاته
31 - دفن الرسول
خاتمة في مبحثين
تقدير وشكر
الإهداء
صفحة غير معروفة
سجل المراجع
تعريف بالكتاب
تقديم الكتاب
تقديم الطبعة الثانية
تقديم الطبعة الثالثة1
1 - بلاد العرب قبل الإسلام
2 - مكة والكعبة وقريش
3 - محمد: من ميلاده إلى زواجه
4 - من الزواج إلى البعث
5 - من البعث إلى إسلام عمر
صفحة غير معروفة
6 - قصة الغرانيق
7 - مساءات قريش
8 - من نقض الصحيفة إلى الإسراء
9 - بيعتا العقبة
10 - هجرة الرسول
11 - أول العهد بيثرب
12 - السرايا1 والمناوشات الأولى
13 - غزوة بدر الكبرى
14 - بين بدر وأحد
15 - غزوة أحد
صفحة غير معروفة
16 - آثار أحد
17 - أزواج النبي
18 - غزوتا الخندق وبني قريظة
19 - من الغزوتين إلى الحديبية
20 - عهد الحديبية
21 - خيبر والرسل إلى الملوك
22 - عمرة القضاء
23 - غزوة مؤتة
24 - فتح مكة
25 - حنين والطائف
صفحة غير معروفة
26 - إبراهيم ونساء النبي
27 - تبوك وموت إبراهيم
28 - عام الوفود وحج أبي بكر بالناس
29 - حجة الوداع
30 - مرض النبي ووفاته
31 - دفن الرسول
خاتمة في مبحثين
تقدير وشكر
حياة محمد
حياة محمد
صفحة غير معروفة
تأليف
محمد حسين هيكل
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
الإهداء
إلى الذين يبتغون الحق لوجه الحق وحده
سجل المراجع
المراجع العربية
القرآن الكريم.
تفصيل آيات القرآن الحكيم، لجول لابوم، نظمه بالعربية محمد فؤاد عبد الباقي.
كتب الحديث.
صفحة غير معروفة
تفسير الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (مطبعة بولاق الأميرية سنة 1329ه).
أسباب النزول لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، وبهامشه الناسخ والمنسوخ، لأبي القاسم هبة الله بن سلامة أبي النصر (مطبعة هندية سنة 1315ه).
الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، لأبي جعفر النحاس (مطبعة السعادة).
زاد المعاد في هدي خير العباد: لشمس الدين أبي عبد الله الدمشقي المعروف بابن القيم الجوزي (المطبعة اليمنية بمصر سنة 1324ه).
سيرة سيدنا محمد رسول الله، المعروفة بسيرة ابن هشام، لأبي محمد عبد الملك بن هشام (طبعة جتنجن سنة 1274ه بعناية المستشرق وستنفلد).
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد كاتب الواقدي (بمطبعة برل بليدن سنة 1322ه). عني بطبعه وتصحيحه إدورد سخو
Imp. Brill. Leiden .
المغازي، لأبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (طبعة البعثة المعمدانية المسيحية بكلكتا سنة 1855م).
تاريخ الرسل والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (مطبعة برل بليدن). عني به بارت ونلدكي.
المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، لأحمد بن محمد بن أبي بكر الخطيب القسطلاني (مطبعة شاهين).
صفحة غير معروفة
البداية والنهاية في التاريخ، لابن كثير الدمشقي (مطبعة السعادة).
الشفاء للقاضي عياض (نسخة خطية بمكتبة جعفر ولي).
الأصنام، لابن الكلبي (مطبعة دار الكتب المصرية).
الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، لقطب الدين النهرواني (مطبعة بركهاوس بليبزج).
أخبار مكة، لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي (مطبعة بركهاوس بليبزج
Brockhaus, Leipzig ).
فجر الإسلام للأستاذ أحمد أمين.
في الأدب الجاهلي، للدكتور طه حسين.
قصص الأنبياء، للأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار.
الوحي المحمدي، للسيد محمد رشيد رضا صاحب المنار.
صفحة غير معروفة
تفسير الفاتحة ومشكلات القرآن، عن الشيخ محمد عبده.
الإسلام والنصرانية، للشيخ محمد عبده (مطبعة المنار).
الرحلة الحجازية: لمحمد لبيب البتانوني.
اليهود في بلاد العرب، للدكتور إسرائيل ولفنسون.
محمد المثل الكامل، للأستاذ محمد أحمد جاد المولى.
الإسلام الصحيح، لمحمد إسعاف النشاشيبي.
فتح العرب لمصر، للدكتور ألفرد بتلر، ترجمة الأستاذ محمد فريد أبي حديد (مطبعة دار الكتب المصرية).
مفتاح كنوز السنة لفنسنك، ترجمة محمد فؤاد عبد الباقي (مطبعة مصر).
الإسلام والتجديد في مصر، تأليف تشارلس آدمز وترجمة الأستاذ عباس محمود.
دائرة معارف القرن العشرين، للسيد محمد فريد وجدي.
صفحة غير معروفة
المراجع الأجنبية
The Spirit of Islam , by Sayed Ameer Aly.
Life of Mahomet , by Washington Airving.
Life of Mohammed
by Sir William Miur.
The Prophet of the Desert , by Khaled Goba.
Mohammad , by Margliouth.
Heroes, and Hero Worship , by Thomas Garlyle.
La Vie de Mahomet , par Emile Demenghem.
Essai sur L’Histoire des Arabes , par Caussin de Perceval.
صفحة غير معروفة
L’Islam . Par Lammens.
Les Grands Initiés , par Edouard Schuré.
Dictionnaire Larousse , Art. Mahomet.
Encyclopaedia Britannica ; Art. Mahomet.
Historian’s History of the World .
تعريف بالكتاب
منذ وجد الإنسان على الأرض وهو مشوق إلى تعرف ما في الكون المحيط به من سنن وخصائص، وكلما أمعن في المعرفة ظهرت له عظمة الكون أكثر من ذي قبل، وظهر ضعفه وتضاءل غروره. ونبي الإسلام صلوات الله عليه شبيه بالوجود. فقد جد العلماء منذ أشرقت الأرض بنوره يتلمسون نواحي العظمة الإنسانية فيه، ويتلمسون مظاهر أسماء الله جلت قدرته في عقله وخلقه وعلمه. ومع أنهم استطاعوا الوصول إلى شيء من المعرفة، فقد فاتهم حتى الآن كمال المعرفة؛ وأمامهم جهاد طويل، وبعد شاسع، وطريق لا نهاية له.
والنبوة هبة الله لا تنال بالكسب؛ لكن حكمة الله وعلمه قاضيان بأن تمنح للمستعد لها والقادر على حملها. الله أعلم حيث يجعل رسالته. ومحمد أعد لأن يحمل الرسالة للعالم أجمعه، أحمره وأسوده، إنسه وجنه، وأعد لأن يحمل رسالة أكمل دين، ولأن يختم به الأنبياء والرسل، وليكون شمس الهداية وحده إلى أن تنفطر السماء وتنكدر النجوم، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات.
عصمة الأنبياء في التبليغ وأداء أمانة الوحي قضية فرغ العلماء منها؛ فليس للأنبياء فضل الاختيار في التبليغ وأداء الأمانة بعد طبعهم بخاتم النبوة واختيارهم لها. وهذا التبليغ نتيجة حتمية للنبوة لا مرد لها. غير أن الوحي لا يلازم الأنبياء في كل عمل يصدر عنهم وفي كل قول يبدر منهم؛ فهم عرضة للخطأ، يمتازون عن سائر البشر بأن الله لا يقرهم على الخطأ بعد صدوره، ويعاتبهم عليه أحيانا.
أمر محمد بأن يبلغ عن ربه، ولم تبين له الطرق التي يتبعها في التبليغ وفي حماية الدعوة، وترك له أن يتصرف بعقله وعمله وفطنته، كما يتصرف غيره من العلماء والعقلاء. وجاء الوحي مفصلا قاطعا في كل ما يخص ذات الإله ووحدته وصفاته وكيفية عبادته؛ ولم يكن كذلك فيما يخص النظم الاجتماعية للأسرة والقرية والمدينة والدولة منفردة ومرتبطة بغيرها من الدول. فهناك مجال واسع للبحث عن عظمة النبي قبل الوحي، وهناك مدى فسيح للبحث عن تلك العظمة بعد الوحي. فقد صار مبلغا عن ربه داعيا إليه، حاميا لتلك الدعوة ولحرية الداعين، مدافعا عنهم؛ وأصبح حاكم الأمة الإسلامية وقائد حربها ومفتيها وقاضيها ومنظم جميع الصلات والروابط فيها، وبينها وبين غيرها من الأمم. وقد أقام العدل في ذلك كله، وألف بين أمم وطوائف ما كان العقل يسيغ إمكان التأليف بينها؛ وظهرت الحكمة والرصانة وبعد النظر وكمال الفطنة وسرعة الخاطر وقوة الحزم في كل ما صدر عنه من قول أو فعل، وتفجرت منه ينابيع العلم والمعرفة، وينابيع البلاغة التي يطأطئ البلغاء رءوسهم أمامها إجلالا وهيبة؛ وفارق الدنيا وهو راض عن عمله مرضي من الله ومن المسلمين.
صفحة غير معروفة
وكل هذه النواحي تستحق الدرس والتمحيص، وليس في مقدور شخص واحد أن يفيها حقها، بل ليس في مكنة شخص واحد أن يوفي على الغاية في ناحية من هذه النواحي.
وسيرة محمد صلوات الله عليه وعلى آله - كسائر العظماء - أضيف إليها ما ليس منها، إما عن حب وهوى وحسن قصد، وإما عن سوء قصد وحقد. غير أنها تمتاز عن سير العظماء جميعهم بأن منها شيئا كثيرا ضمه الوحي الإلهي وضمن حفظه القرآن المطهر، وشيئا كثيرا روي على لسان الحفاظ الثقات من المحدثين، وعلى هذه الأسس الصحيحة يجب أن تبنى السيرة، وأن يستنبط العلماء منها حكمها وأسرارها ودقائقها، وأن تحلل التحليل العلمي النزيه، ملاحظا في ذلك ظروف الوسط وحال البيئة ونواحيها المختلفة من عقائد ونظم وعادات.
وقد أخرج الدكتور هيكل للناس كتابه «حياة محمد» في سيرة محمد، ويسر لي أن أطلع على جزء منه قبل إتمام طبعه. والدكتور هيكل معروف لقراء اللغة العربية، غني بآثاره فيها عن التعريف. وقد درس القانون واطلع على المنطق والفلسفة، ومكنته ظروفه وطبيعة عمله من الاتصال بالثقافة القديمة والثقافة الحديثة، وأوفى منهما على حظ عظيم، وناظر وجادل وهجم ودافع في المعتقدات والآراء وقواعد الاجتماع وفي السياسة وغيرها، فنضج عقله وكمل علمه واتسع اطلاعه وامتد أفقه، فأصبح ينافح عن آرائه بمنطق قوي وحجج باهرة وأسلوب اختص به لا تخفى نسبته إليه. بهذه الثقافة وهذه القوة نسج الدكتور كتابه وقال في مقدمته: لست مع ذلك أحسب أني أوفيت على الغاية من البحث في حياة محمد؛ بل لعلي أكون أدنى إلى الحق إذا ذكرت أني بدأت هذا البحث في العربية على الطريقة الحديثة. وقد تأخذ القارئ الدهشة إذا ذكرت ما بين دعوة محمد والطريقة العلمية الحديثة من شبه قوي. فهذه الطريقة العلمية تقتضيك إذا أردت بحثا أن تمحو من نفسك كل رأي وكل عقيدة سابقة في هذا البحث، وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة، ثم بالموازنة والترتيب، ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية. فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كله كانت نتيجة علمية خاضعة بطبيعة الحال للبحث والتمحيص، ولكنها تظل علمية ما لم يثبت البحث العلمي تسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها. وهذه الطريقة العلمية هي أسمى ما وصلت إليه الإنسانية في سبيل تحرير الفكر، وها هي ذي مع ذلك طريقة محمد وأساس دعوته.
أما أن هذه الطريقة طريقة القرآن فذلك حق لا ريب فيه، فقد جعل العقل حكما والبرهان أساس العلم، وعاب التقليد وذم المقلدين، وأنب من يتبع الظن وقال:
إن الظن لا يغني من الحق شيئا
وعاب تقديس ما عليه الآباء، وفرض الدعوة بالحكمة لمن يفقهها. ولم تكن معجزة محمد القاهرة إلا في القرآن، وهي معجزة عقلية. وما أبدع قول البوصيري:
لم يمتحنا بما تعيا العقول به
حرصا علينا، فلم نرتب ولم نهم
وأما أن هذه الطريقة حديثة، فهذا ما يعتذر عنه. وقد ساير الدكتور غيره من العلماء في هذا؛ ذلك لأنها طريقة القرآن كما اعترف هو، ولأنها طريقة علماء سلف المسلمين. انظر كتب الكلام ترهم يقررون أن أول واجب على المكلف معرفة الله، فيقول آخرون: لا، إن أول واجب هو الشك. ثم إنه لا طريق للمعرفة إلا البرهان. وهو وإن كان نوعا من أنواع القياس إلا أنه يجب أن تكون مقدماته قطعية حسية، أو منتهية إلى الحس، أو مدركة بالبداهة أو معتمدة على التجربة الكاملة أو الاستقراء التام، على ما هو معروف في المنطق. وكل خطأ يتسرب إلى إحدى المقدمات أو إلى شكل التأليف مفسد للبرهان.
وقد جرى الإمام الغزالي على الطريقة نفسها. وقد قرر في أحد كتبه أنه جرد نفسه من جميع الآراء ثم فكر وقدر، ورتب ووازن، وقرب وباعد، وعرض الأدلة وهذبها وحللها؛ ثم اهتدى بعد ذلك كله إلى أن الإسلام حق، وإلى ما اهتدى إليه من الآراء. وقد فعل هذا ليجافي التقليد، وليكون إيمانه إيمان المستيقن المعتمد على الدليل والبرهان، ذلك الإيمان الذي لا يختلف المسلمون في صحته ونجاة صاحبه.
صفحة غير معروفة
وأنت واجد في كتب الكلام في مواضع كثيرة حكاية تجريد النفس عما ألفته من العقائد، ثم البحث والنظر. فطريق التجريد طريق قديم، وطريق التجربة والاستقراء طريق قديم، والتجربة والاستقراء التام وليدا الملاحظة، فليس هناك جديد عندنا، ولكن هذه الطريقة القديمة بعد أن نسيت في التطبيق العلمي والعملي في الشرق، وبعد أن نشأ التقليد وأهدر العقل، وبعد أن أبرزها الغربيون في ثوب ناضج وأفادوا منها في العلم والعمل، رجعنا نأخذها عنهم ونراها طريقة في العلم جديدة.
هذا القانون العلمي في البحث معروف قديما وحديثا. والمعرفة سهلة ولكن العمل عسير. ولا يتفاوت الناس كثيرا في معرفة القانون، ولكنهم يتفاوتون جد التفاوت في تطبيق القانون.
تجريد النفس والملاحظة والتجربة والموازنة والاستنباط كلمات سهلة؛ لكن الإنسان الرازح تحت أحمال الوراثة في دمه وعقله، وأحمال البيئة في البيت والقرية والمدينة والدولة والمدرسة، وأحمال المعتقدات والمزاج والصحة والمرض والشهوات، كيف يسهل عليه تطبيق القانون؟ هذا هو موضع الداء قديما وحديثا، وهو سبب تعدد المذاهب والآراء وسبب تبدلها وتنقلها من قطر إلى قطر، ومن أمة إلى أمة. والفلسفة والآداب تبدل ثيابها على تعاقب الأجيال كما تبدل النساء أزياءها، وقل أن تجد فيها شيئا يصونه حرز أو يقيه حصن؛ بل سرى التبدل إلى قواعد العلم التي لم تكن طوال الأجيال الماضية موضعا للشك. ونظرية النسبية اضطرب لها العلماء وسرعان ما قام من يهدمها. والآراء في الأمراض وأسبابها وطرق علاجها وفي التغذية لا تزال مطية للتبدل والتحول. وهكذا إذا أنعمنا النظر لا نجد أمانا لما أنتجه العقل وحده إلا ما كان البرهان بشروطه متوافرا فيه. ولكن ما نسبة هذه الأشياء التي يتوافر فيها البرهان إلى غيرها مما تمليه الظنون وتسطره الأوهام وتمجه الأذهان المريضة، وتفرضه السياسة؛ ويبدعه العلماء الذين يجدون كل اللذة في مخالفة غيرهم وإحداث هذه المذاهب والآراء! ولعل هذه الحيرة ستخفف غلواء العلماء المعتزين بالعقل وحده، وتلويهم يوما من الأيام إلى الدخول في حمى الحق وحصن اليقين؛ وهو الوحي الصادق، وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة.
نعود بعد هذا إلى الدكتور هيكل وكتابه.
يقول بعض علماء الكلام: إن الاطلاع على علم تشريح الأفلاك وعلم تشريح الإنسان يدل أوضح الدلالة على شمول العلم الإلهي لدقائق الوجود. وأنا أقرر أيضا أن العلم والكشف عن سنن الوجود وعجائبه سيكون نصير الدين، وسيقرب إلى العقل الإنساني طريق فهم ما كان غامضا مبهما، وما كان فوق طاقة العقل إدراكه من قبل، مصداقا لقوله تعالى:
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد .
والكهربا وما نشأ عنها من المخترعات قربت إلى العقل فهم إمكان تحول المادة إلى قوة وتحول القوة إلى مادة. وعلم استحضار الأرواح فسر للناس شيئا كثيرا مما كانوا فيه يختلفون، وأعان على فهم تجرد الروح وإمكان انفصالها وفهم ما تستطيعه من السرعة في طي الأبعاد، وقد انتفع الدكتور هيكل بشيء من هذا في تقريب قصة الإسراء فأتى بشيء طريف.
ويطول بي القول إذا أنا عرضت لما في كتاب الدكتور هيكل من حسنات، وحسبي أن أنبه إلى تلك الحسنات إجمالا، وسيدرك الناس جماله بأنفسهم ويستمتعون بلذة نتاج الفكر تهديه الأسانيد الصحيحة، ويهديه المنطق الدقيق وتسعده الفطرة الصادقة، وسيرون أن الدكتور كان مخلصا الإخلاص كله للحقيقة، عامر القلب بما في الوحي المحمدي من هدى ونور، وبما في سيرة النبي من جمال وجلال وعظمة وعبرة، مطمئنا كل الاطمئنان إلى أن هذا الدين المحمدي سينقذ البشر مما هم فيه من الحيرة، وينشلهم من ظلمة المادة ويبصرهم بنور الإيمان، ويوجههم إلى النور الإلهي، فيدركون به سعة رحمته التي وسعت كل شيء ، وعظمة مجده الذي تسبح به السموات والأرض وكل شيء فيهما ، وعزته التي تتضاءل أمامها الموجودات. ألا تراه يقول: «وأذهب أبعد مما تقدم فأقول: إن هذا البحث جدير بأن يهدي الإنسانية طريقها إلى الحضارة الجديدة التي نلتمسها. وإذا كانت نصرانية الغرب تستكبر أن تجد النور الجديد في الإسلام ورسوله وتلتمس هذا النور في «ثيوزوفية» الهند وفي مختلف مذاهب الشرق الأقصى، فإن رجال هذا الشرق من المسلمين واليهود والنصارى خليقون بأن يقوموا بهذه البحوث الجليلة بالنزاهة والإنصاف اللذين يكفلان وحدهما الوصول إلى الحق.
فالتفكير الإسلامي على أنه تفكير علمي على الطريقة الحديثة في صلة الإنسان بالحياة المحيطة به، هو من هذه الناحية واقعي بحت، ينقلب تفكيرا ذاتيا حين يتصل الأمر بصلات الإنسان بالكون وخالق الكون.»
ويقول: «لكن طلائع القضاء على الوثنية التي تتحكم في عالمنا الحاضر وتوجه الحضارة الحاكمة فيه تبدو واضحة لكل من يتتبع سير العالم وأحداثه. فلعل هذه الطلائع تتواتر وتقوى دلالتها إذا انجلت أمام العالم تلك المسائل الروحية بالتخصص لدراسة حياة محمد وتعاليمه وعصره، والثورة الروحية التي انتشرت في العالم كأثر من آثاره.»
صفحة غير معروفة
وهذا الاطمئنان يؤيده الواقع؛ فإن ما يرى الآن من عناية الغرب ببحث آثار الشرق، ومن عناية علمائه بدراسة الإسلام من نواحيه المختلفة ودراسة تاريخه وأممه قديما وحديثا، ومن إنصاف بعضهم للنبي، وما أيدته التجارب من أن الحق لا محالة غالب؛ كل ذلك يرشدنا إلى أن الإسلام سينشر لواءه على العالم وسيكون أشد الناس عداوة له اليوم هم أشد الناس غيرة عليه ودفاعا عنه، وسيكون هؤلاء الغرباء عنه هم أنصاره وأهله، وكما نصره أول أمره الغرباء عن البيئة التي نشأ فيها، فسينصره آخر الأمر الغرباء عن لغته ووطنه. وقد بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!
وإذا كان النبي خاتم الأنبياء وليس للعالم بعده هاد مرشد، وكان دينه أكمل دين بنص الوحي القاطع، فلا يمكن أن يقف أمره على ما هو عليه الآن، ولا بد أن يمحو نوره نور غيره كما تمحو الشمس أضواء غيرها من الكواكب.
وقد وفق الدكتور في تنسيق الحوادث وربط بعضها ببعض ، فجاء كتابه عقدا منضدا وسلسلة متينة محكمة الحلقات. وقد أبدع في بيان الأسباب والأغراض والحكم بيانا قويا واضحا يجعل القارئ مطمئن النفس رضي القلب يستمتع بما يقرأ ويثلج صدره ببرد اليقين، فيملك عليه أمره، ويجبره على متابعة القراءة حتى يوفي على آخر ما بيده من البحث.
وفي الكتاب بحوث قيمة ليست من السيرة، ولكنها اتصلت بها بسبب الإسهاب في بيان أغراضها.
وأختم كلمتي هذه بقول سيد الخلق صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار ومن اتبعه: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل علي غضبك، أو تحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.»
15 من فبراير 1935
محمد مصطفى المراغي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
تقديم الكتاب
صفحة غير معروفة
محمد عليه الصلاة والسلام
بهذا الاسم الكريم تنطق ملايين الشفاه، وله تهتز ملايين القلوب كل يوم مرات. وهذه الشفاه والقلوب به تنطق وله تهتز منذ أربعمائة وألف سنة إلا خمسين. وبهذا الاسم الكريم ستنطق ملايين الشفاه وتهتز ملايين القلوب إلى يوم الدين. فإذا كان الفجر من كل يوم وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أهاب المؤذن بالناس أن الصلاة خير من النوم. ودعاهم إلى السجود لله والصلاة على رسوله، فاستجاب له الألوف والملايين في مختلف أنحاء المعمورة يحيون بالصلاة رحمة الله وفضله متجليين في مطلع كل نهار. وإذا كانت الظهيرة وزالت الشمس أهاب المؤذن بالناس لصلاة الظهر، ثم لصلاة العصر فالمغرب فالعشاء. وفي كل واحدة من هذه الصلوات يذكر المسلمون محمدا عبد الله ونبيه ورسوله في ضراعة وخشية وإنابة، وهم فيما بين الصلوات الخمس ما يكادون يسمعون اسمه حتى تجف قلوبهم بذكر الله وبذكر مصطفاه. كذلك كانوا وكذلك سيكونون حتى يظهر الله الدين القيم ويتم نعمته على الناس أجمعين.
الإمبراطورية الإسلامية الأولى
ولم يك محمد في حاجة إلى زمان طويل ليظهر دينه وينتشر في الخافقين لواؤه، فقد أكمل الله للمسلمين دينهم قبيل وفاته، ويومئذ وضع هو خطة انتشار الدين فبعث إلى كسرى وإلى هرقل وإلى غيرهما من الملوك والأمراء كي يسلموا، ولم تمض خمسون ومائة سنة من بعد ذلك حتى كان علم الإسلام خفاقا من الأندلس في غرب أوروبا إلى الهند وإلى التركستان وإلى الصين في شرق آسيا؛ وبذلك وصلت الشام والعراق وفارس وأفغانستان - وقد أسلمت كلها - ما بين بلاد العرب ومملكة ابن السماء، كما وصلت مصر وبرقة وتونس والجزائر ومراكش ما بين أوروبا وإفريقية ومبعث محمد عليه السلام. ومن يومئذ إلى يومنا هذا بقي علم الإسلام مرفرفا على هذه الربوع جميعا، خلا الأندلس التي أغارت النصرانية عليها فعذبت أهلها وأذاقتهم ألوانا من الشدة والبأس. ولم يطق أهلها صبرا على الحياة، فعاد منهم من عاد إلى إفريقية، ورد الهول والفزع من ارتد منهم عن دينه ودين أبيه إلى دين العتاة والمعذبين.
على أن ما خسره الإسلام في الأندلس من غرب أوروبا كان له عنه العوض حين فتح العثمانيون القسطنطينية ومكنوا لدين محمد فيها. هنالك امتدت كلمته إلى البلقان كلها، وانبلج نوره في روسيا وفي بولونيا، وخفقت أعلامه على أضعاف ما كانت تخفق عليه من أرض إسبانيا. ومن يوم انتشر الإسلام في صولته الأولى إلى يومنا لم يتغلب عليه من الأديان متغلب، وإن تغلب على أممه من شدائد الظلم وألوان التحكم ما جعلها أشد بالله إيمانا، ولحكمه إسلاما، وفي رحمته وفي غفرانه أملا ورجاء.
الإسلام والمسيحية
هذه القوة التي انتشر الإسلام بها سرعان ما وقفته وجها لوجه أمام المسيحية وقفة نضال مستميت. لقد تغلب محمد على الوثنية، ومحا من بلاد العرب - كما محا خلفاؤه الأولون من بلاد الفرس والأفغان وطائفة كبيرة من بلاد الهند - أثرها. ولقد تغلب خلفاء محمد على المسيحية في الحيرة واليمن والشام ومصر إلى مهد المسيحية مدينة قسطنطين. أفقدر على المسيحية ما قدر على الوثنية من اضمحلال وهي دين كتاب من الأديان التي أشاد بها محمد ونزل الوحي بنبوة صاحبها؟ وهل قدر لهؤلاء العرب - عرب البادية الزاحفين من شبه الجزيرة الصحراوية القاحلة - أن يضعوا أيديهم على حدائق الأندلس وبزنطية وسائر البلاد المسيحية؟ الموت ولا هذا! واستمر القتال بين أتباع عيسى وأتباع محمد قرونا متتالية. ولم يقف القتال عند حرب الأسنة والمدافع، بل تعداها إلى ميادين الجدل والنضال الكلامي. جاء المقاتلون فيها بأسماء عيسى ومحمد، وجعل كل فريق يلتمس الوسيلة لتأليب السواد واستثارة حماسة الجماهير وتعصبها.
المسلمون وعيسى
على أن الإسلام حال بين المسلمين وبين الحط من مقام عيسى، إنه عبد الله آتاه الكتاب وجعله نبيا، وجعله مباركا أينما كان، وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حيا، وبرا بوالدته ولم يجعله جبارا شقيا، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا. أما المسيحيون فقد جعل الكثيرون منهم يعرضون بمحمد وينعتونه بأوصاف يبرأ منها المهذب من الرجال؛ شفاء لما في نفوسهم من غل، واستفزازا وحفزا لشهوات الناس الدنيا. وعلى رغم ما يقال من أن الحروب الصليبية وضعت أوزارها منذ مئات السنين ظل تعصب الكنيسة المسيحية على محمد على أشده إلى عصور قريبة. ولعله كذلك ما يزال إن لم يك أشد، وإن كان خفيا يعمل في ظلمات التبشير بالدون من الوسائل. ولم يقف الأمر عند الكنيسة بل تعداها إلى كتاب وفلاسفة في أوروبا وفي أمريكا لم تك تصلهم بالكنيسة صلة تذكر.
المسيحيون المتعصبون ومحمد
صفحة غير معروفة
ولقد يعجب الإنسان أن يظل تعصب المسيحية على الإسلام بهذه الشدة في عصر يزعمون أنه عصر النور والعلم، وأنه لذلك عصر التسامح وسعة الأفق، ويزداد الإنسان عجبا إذ يذكر المسلمين الأولين وكيف كان اغتباطهم بانتصار المسيحية على المجوسية عظيما حين ظفرت جيوش هرقل بأعلام فارس وكسرت عسكر كسرى. فقد كانت فارس صاحبة النفوذ في جنوب شبه جزيرة العرب منذ أخرج كسرى الأحباش من اليمن. ثم إن كسرى وجه جيوشه - سنة 614 ميلادية - تحت إمرة قائد من قواده يدعى شهر براز
1
لغزو الروم، فظهر عليهم حين التقى بهم بأذرعات وبصرى، أدنى الشام إلى أرض العرب، فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم. وكان العرب - ولا سيما أهل مكة - يتتبعون أخبار هذه الحرب بتلهف وشغف؛ فقد كانت القوتان المتناحرتان أكبر ما تعرف أمم الأرض يومئذ. وكانت بلاد العرب تجاورهما وتخضع بعض أجزائها لفارس وتتاخم الروم بعض أجزائها الأخرى. وشمت كفار مكة بالمسيحيين وفرحوا لهزيمتهم؛ لأنهم أهل كتاب كالمسلمين، وحاولوا أن يلصقوا بدينهم عار اندحارهم. أما المسلمون فشق عليهم أمر الروم لأنهم أهل كتاب مثلهم، فكان محمد وأصحابه يكرهون أن يظهر المجوس عليهم. وأدى هذا الخلاف بين مسلمي مكة وكفارها إلى تنادر الفريقين وإلى تهكم الكفار بالمسلمين، حتى أبدى أحدهم من السرور أمام أبي بكر ما غاظه ودفعه إلى أن يقول: لا تعجل بالمسرة، فسيأخذ الروم بثأرهم. وأبو بكر معروف بالهدوء ووداعة النفس. فلما سمع الكافر قوله أجابه متهكما: كذبت. فغضب أبو بكر وقال: كذبت أنت يا عدو الله! وهذا رهان عشرة جمال على أن تغلب الروم المجوس قبل عام. وعرف محمد أمر هذا الرهان فنصح إلى أبي بكر أن يزيد في الرهان وأن يطيل المدة. فزاد أبو بكر في الرهان إلى مائة بعير إن هزمت الفرس قبل تسع سنين. وانتصر هرقل سنة 625 وهزم فارس واسترد منها الشام، واستعاد الصليب الأعظم، وكسب أبو بكر رهانه. وفي النبوءة بهذا النصر نزل قوله تعالى في صدر سورة الروم:
الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
2
المبادئ الأولية في الدينين
كان اغتباط المسلمين يومئذ بانتصار هرقل والنصارى عظيما، وظلت صلة الإخاء بين الذين اتعبوا محمدا والذين آمنوا بعيسى عظيمة طوال حياة النبي وإن تكرر بين الفريقين ما كان من مجادلة، على خلاف ما كان بين المسلمين واليهود من تهادن أول الأمر ثم عداوة استمرت وكان لها من الآثار والنتائج الدامية ما أجلى اليهود عن شبه جزيرة العرب جمعاء. ومصداق ذلك قوله تعالى:
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون .
3
ثم إنك لترى الدينين يصوران الحياة والخلق صورة تكاد تكون واحدة، وهما في تصوير الإنسانية ومبدأ خلقها سواء: خلق الله آدم وحواء وأسكنهما الجنة، وأوحى إليهما ألا يسمعا إلى نزغ الشيطان فيأكلا من الشجرة فيخرجهما من الجنة. والشيطان عدوهما الذي أبى أن يسجد لآدم فيما أوحاه الله لمحمد، والذي أبى أن يقدس كلمة الله، على رواية كتب النصارى المقدسة، ووسوس الشيطان لحواء وزين لها، فزينت لآدم فأكلا من شجرة الخلد فبدت لهما سوءاتهما، فاستغفرا ربهما فبعثهما على الأرض بعض ذريتهم لبعض عدو، يغريهم الشيطان فيضل قوم ويقاوم الهلاك آخرون. ولتقوى الإنسانية على حرب الغواية بعث الله نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى، والنبيين. وبعث مع كل رسول كتابا بلسان قومه مصداقا لما بين يديه ليبين لهم. وكما يقوم في صف الشيطان أنصاره من أرواح الشر، تقوم الملائكة تسبح بحمد ربها وتقدس له. وهؤلاء وأولئك يتنازعون أسباب الحياة والكون جميعا حتى يوم البعث، يوم تجزى كل نفس بما كسبت ولا يسأل حميم حميما.
صفحة غير معروفة
الخلاف بينهما: التوحيد والتثليث
وإنك لتجد في القرآن من ذكر عيسى ومريم وإكرام الله لهما وتقديمه إياهما ما تشعر معه حق الشعور بهذا الإخاء، وما يجعلك تسائل: ما بال المسلمين والنصارى إذن ظلوا على القرون خصوما متقاتلين؟ والجواب عن سؤالك أن بين الإسلام والنصرانية خلافا على مسائل أساسية كانت موضع جدل شديد في عهد النبي، وإن لم يتعد الأمر الجدل إلى العداوة والبغضاء. فالنصرانية لا تقر بنبوة محمد كما يقر الإسلام بنبوة عيسى، والنصرانية تقول بالتثليث، والإسلام ينكر كل ما سوى التوحيد أشد الإنكار. والنصارى يؤلهون عيسى ويتلمسون الدليل على ألوهيته في أنه تكلم في المهد وأوتي من المعجزات ما لم يؤته غيره مما هو من عمل الخالق جل شأنه. وهم كانوا أيام الإسلام الأولى يحاجون المسلمين في ذلك بالقرآن ويقولون : أوليس يقر القرآن الذي نزل على محمد رأينا حتى يقول:
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل * ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين .
4
فالقرآن قد ذكر إذن أنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين طيرا، ويخبر بالغيب، وكل هذه خصائص إلهية. هذا رأي نصارى عهد النبي الذين كانوا يحاجونه ويجادلونه ويذهبون إلى أن عيسى إله مع الله. ولقد ذهبت طائفة منهم إلى تأليه مريم أن ألقى الله إليها بكلمته. وكان أصحاب هذا الرأي من نصارى ذلك العهد يعتبرون مريم ثالث الثلاثة: الأب والابن والروح القدس. ولم يكن أصحاب هذا القول بألوهية عيسى وأمه إلا طائفة من طوائف النصرانية الكثيرة المتفرقة يومئذ شيعا وأحزابا.
مجادلة النصارى للنبي
كان نصارى شبه الجزيرة يجادلون محمدا على اختلاف نحلهم على أساس مذاهبهم. فكانوا يقولون إن المسيح هو الله، ويقولون هو ولد الله، ويقولون هو ثالث ثلاثة، وكان القائلون بألوهيته يحتجون بما سبق بيانه، ويحتج القائلون بأنه ولد الله بأنه لم يكن له أب يعلم، وأنه تكلم في المهد صبيا مما لم يقع لأحد من بني آدم، ويحتج القائلون بأنه ثالث ثلاثة بأن الله يقول: أمرنا وخلقنا وقضينا، ولو كان واحدا لقال: أمرت وخلقت وقضيت. وكان محمد يستمع لهم جميعا ويجادلهم بالتي هي أحسن. وهو لم يكن في جادلهم يشتد شدته في جدال المشركين وعباد الأصنام، بل كان يحاجهم بالوحي من طريق المنطق ومن كتبهم وما جاء فيها؛ فالله تعالى يقول:
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير * وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .
5
وقال تعالى:
صفحة غير معروفة