وقد ذكر هدسون لو سجان نابوليون أن الفكرة في إرسال الإمبراطور إلى هذه الصخرة المنفردة كأنها سجن قائم في وسط الأوقيانوس ليست بنت الاتفاق أو الإلهامات الفجائية التي تومض في عقول رجال السياسة، بل هي نتيجة تفكير طويل يرجع عهده إلى جزيرة ألب، فإن السفراء كانوا لذلك الحين يتداولون في مؤتمر فينا في نقله إلى ما وراء الأوقيانوس، والذي أدلى لهم بهذه الفكرة هو والنتون.
وكان نزول نابوليون إلى البر في جامستون في 17 أكتوبر.
وجامستون هذه مدينة صغيرة جميلة المنظر نظيفة البيوت بيضاؤها، إلا أنها أتون نار في الصيف، وهي واقعة بين جبلين، وليس لها إلا شارع واحد، وقد أحس الضيف الجديد بحرها ورطوبتها؛ ولهذا قبل مع الشكر خيمة أرسلها له الأميرال مالكوم ليأوي إليها.
وقد كانت أيامه الأولى في المنفى سعيدة إذا قيست بما بعدها؛ وذلك أنه كان لأحد الموظفين في شركة الهند الشرقية بيت جميل قائم على بعد ميل من المدينة، تحيط به أشجار الموز والرمان والورد البري، فقدمه هذا الموظف (ويقال إنه الابن الشرعي للبرنس دي غال) إلى الإمبراطور، ورأى هذا من مضيفه وحسن معاملته ما حبب إليه البقاء في تلك الناحية، ورفض الرجوع إلى جامستون، ولكن الأمر لم يكن له.
وكانت عيشة نابوليون في هذا المنزل صحية مقتصرة على النهوض من النوم مبكرا والأكل القليل والرياضة، وكان لطيف المعشر يأنس به كل من قاربه، ويعجب بأخلاقه ومعارفه، حتى إن طبيب المكان لم يكن يفتأ يذكر نابوليون بالثناء وتعداد معارفه الطبية.
وقد بينا فيما سبق رأي نابوليون في الطب، وأنه لم يكن يصدق الأطباء على احترامه لهم، ويعتقد أن خير علاج هو الحمية والحمامات الساخنة.
ولما تم إصلاح لونكوود وصارت أهلا لاستقبال نزيلها أرسل المارشال برتران في طليعة القوم لدرس حالة المسكن، ثم أتبعه بلاكاز لأن رائحة الدهان كانت قوية وهو لا يقوى على احتمالها، فلما جاءه تقرير هذا الأخير بأن الرائحة قد خفت ذهب إليها (10 سبتمبر سنة 1815).
الفصل السابع عشر
لونكوود
منظر لونكوود.
صفحة غير معروفة