كتاب الحاوى الكبير الماوردى
محقق
الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هـ -١٩٩٩ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
النبي ﷺ َ -: " نهى عن افتراش جلود السباع " فلو كانت تطهر بالدباغة لم ينه عن افتراشها، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَطْهُرَ بِالدِّبَاغَةِ كَالْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّ الدباغة أحد مَا يَطْهُرُ بِهِ الْجِلْدُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالذَّكَاةِ.
وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ ﵇: " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ " وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ فَجَازَ أَنْ يَطْهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَالْمَأْكُولِ ولأن ما ينفي عَنِ الْمَأْكُولِ تَنْجِيسُ جِلْدِهِ نُفِيَ عَنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ تَنْجِيسَ جِلْدِهِ كَالْحَيَاةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّبَاغَةِ وَالذَّكَاةِ مَا يُوَضِّحُ الْجَوَابَ عَنْهُ.
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنِ افْتِرَاشِ جُلُودِ السِّبَاعِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قبل الدباغة أو على ما بعد الدباغة إذا كان الشعر باقيا، لأن المقصود منها شعورها كَالْفُهُودَةِ وَالنُّمُورَةِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فالمعنى فيه: نجاسة فِي الْحَيَاةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الذَّكَاةِ فَالْمَعْنَى فِي الذَّكَاةِ: أَنَّهَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي إِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، وَلِلدِّبَاغَةِ مَدْخَلٌ فِي إِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ.
فصل
فأما المأكول فَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ إِجْمَاعًا، وَبِالدِّبَاغَةِ إِنْ مَاتَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة﴾ [المائدة: ٣] . إشارة إلى حملها وإجرائها.
وَبِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا رسول الله ﷺ َ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ: " أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ ". وَلِأَنَّ مَا نَجِسَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَطْهُرْ بِالدِّبَاغَةِ كَاللَّحْمِ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَطْهُرْ بِهِ اللَّحْمُ لَمْ يَطْهُرْ بِهِ الجلد كالغسل، ولعلة التَّنْجِيسِ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْتَفِعَ التَّنْجِيسُ مَعَ بَقَاءِ الْمَوْتِ، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ الْعِلَّةِ مُحَالٌ.
وَدَلِيلُنَا: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ عَنِ
1 / 59