كتاب الحاوى الكبير الماوردى
محقق
الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هـ -١٩٩٩ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ قَوْلًا لَا يُعْلَمُ انْتِشَارُهُ وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ خِلَافُهُ فَلَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، وَهَلْ يَكُونُ حُجَّةً يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وأبي حنيفة إِنَّهُ حُجَّةٌ يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ ﵇: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ بِقَوْلٍ، مِنْ غَيْرِ طَلَبِ دَلِيلٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ آحَادِهِمْ حُجَّةٌ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجُوزُ أن يختص به العموم الكتاب والسنة أولا؟ على وجهين:
أحدهما: يجوز لأن عموم يَخْتَصُّ بِقِيَاسٍ مُحْتَمَلٍ وَقَوْلُهُ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ الْمُحْتَمَلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ كَانُوا يَتْرُكُونَ أَقْوَالَهُمْ لِعُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَيَجُوزُ لِلتَّابِعِيِّ خِلَافُهُ، لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ حجة علينا وعلى الصحابي، وليس قول الواحد حجة على جميع الصحابة، فَعَلَى هَذَا إِنْ وَافَقَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ قِيَاسَ التَّقْرِيبِ فَهَلْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى بِانْفِرَادِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قِيَاسَ الْمَعْنَى بِانْفِرَادِهِ أَوْلَى لِأَنَّ بِانْفِرَادِهِ حُجَّةً.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مَعَ مُوَافَقَةِ قِيَاسِ النَّصِّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْمُنْفَرِدِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:: وَقَدْ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِهِ فِي عُيُوبِ الْحَيَوَانِ حَيْثُ أَخَذَ بِقَضَاءِ عُثْمَانَ لِمُوَافَقَتِهِ قِيَاسَ التَّقْرِيبِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ قياس المعنى.
والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ قَوْلًا يُخَالِفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَيَظْهَرُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَيَنْتَشِرُ فِيهِمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ.
قَالَ فِي الْقَدِيمِ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ لِقَوْلِهِ ﵇: " عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ " فَإِنِ اسْتَوَى أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ ﵇: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدِي ". فَإِنِ اسْتَوَى صَارَ كَالدَّلِيلَيْنِ إِذَا تَقَابَلَا فَيَرْجِعُ إِلَى التَّرْجِيحِ.
1 / 31