الهوامل والشوامل

أبو علي مسكويه ت. 421 هجري
61

الهوامل والشوامل

محقق

سيد كسروي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢هـ - ٢٠٠١م

مكان النشر

بيروت / لبنان

وَإِذا كَانَ هَذَا ظَاهرا من فعل الطبيعة، فَكَذَلِك حَال الْأَعْمَى، فِي أَن إِحْدَى قوى نَفسه الَّتِي كَانَت تَنْصَرِف إِلَى مُرَاعَاة حس من حواسه، لما قطعت عَن مجْراهَا توفرت النَّفس بهَا إِمَّا على جِهَة وَاحِدَة أَو جِهَات موزعة، فتبينت الزِّيَادَة، وَظَهَرت إِمَّا فِي الذِّهْن والذكاء أَو الْفِكر أَو الْحِفْظ أَو غَيرهَا من قوى النَّفس. وَهَذَا يبين لَك أَيْضا بِاعْتِبَار الْحَيَوَانَات الْأُخَر. فَإِن مِنْهَا مَا هُوَ فِي أصل الْخلقَة، والطبع مضرور فِي أحد حواسه، أَو فَاقِد لَهُ جملَة، وَهُوَ فِي الْبَاقِيَات مِنْهَا أذكى من غَيره جدا كالحال فِي الخُلْد فَإِنَّهُ لما فقد آلَة الْبَصَر، كَانَ أذكى شَيْء سمعا. وكالحال فِي النَّحْل فَإِنَّهُ لما ضعف بَصَره كَانَ أدهى من المبصرات شمًا. وَأَنت تعرف ضعف بصر النَّحْل، والنمل وَالْجَرَاد، والزنابير، وَمَا أشبههَا من الْحَيَوَانَات الَّتِي لَا تطرف، وَلم تخلق لَهَا جفون، وعَلى أبصارها غشاء صلب حجري يدْفع عَنْهَا الْآفَات، بِمَا يعرض لَهَا فِي الْبيُوت الَّتِي لَهَا جامات الزّجاج فَإِن يظنّ أَن الجاه كوَّة نَافِذَة إِلَى الْهَوَاء فَلَا

1 / 92