الهوامل والشوامل
محقق
سيد كسروي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٢هـ - ٢٠٠١م
مكان النشر
بيروت / لبنان
فَأَما قَوْلك: فَمَا الَّذِي يُرَاد بهَا؟ فَإِن المُرَاد من هَذِه الصِّنَاعَة تقدمة الْمعرفَة بأخلاق النَّاس ليلابسهم على بَصِيرَة. والفراسة قد تكون فِي الْخَيل وَالْكلاب وَسَائِر الْحَيَوَانَات الَّتِي ينْتَفع بهَا النَّاس وَقد تكون فِي الجمادات أَيْضا كفراسة السيوف والسحاب وَغَيرهمَا إِلَّا أَن الْعِنَايَة التَّامَّة إِنَّمَا وَقعت بفراسة الْإِنْسَان خَاصَّة لِكَثْرَة الِانْتِفَاع بِهِ مِمَّا سَنذكرُهُ بِمَشِيئَة الله. وَأما قَوْلك: هَل تصح أبدا أم فِي وَقت دون وَقت ولشخص دون شخص فَإِنِّي أَقُول: إِنَّهَا تصح أبدا فِي كل وَقت وَلكُل أحد وَلَكِن على الشريطة الَّتِي ذَكرنَاهَا من إحكام الْأُصُول الَّتِي وعدنا بذكرها مجملة وَالدّلَالَة على موَاضعهَا مفصلة. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا تصح أبدا ودائمًا لِأَن مقوماتها ودلائلها ثَابِتَة غير منقلبة وَلَيْسَت كأشكال الْفلك الَّتِي تتبدل وتتغير بل شكل الْإِنْسَان وهيئاته ومزاجه والحركات اللَّازِمَة لَهُ عَن هَذِه الْأَشْيَاء ثَابِتَة بَاقِيَة مَا دَامَ حَيا فالمستدل بهَا أَيْضا يتصفحها فيجدها بِحَال وَاحِدَة. ونعود إِلَى ذكر الْأُصُول الثَّلَاثَة فَنَقُول: أما الِاسْتِدْلَال بالطبائع أَنْفسهَا فَهُوَ أَن الْحَرَارَة الَّتِي تكون فِي قلب الْإِنْسَان - وَهِي سَبَب الْحَيَاة - من شَأْنهَا إِن زَادَت على الِاعْتِدَال أَن تزيد فِي النَّفس لحَاجَة الْقلب إِلَى الترويح بالرئة وَأَن توسع التجويف الَّذِي تكون فِيهِ بالحركة الزَّائِدَة وَأَن يكون لَهَا دُخان فَاضل على الْقدر المعتدل بِحَسب زيادتها وبقدر الرُّطُوبَة الدهنية الَّتِي تجاورها. فَيعرض من هَذِه الْأَحْوَال الَّتِي ذكرتها أَن يكون الْإِنْسَان الَّذِي حرارة قلبه بِهَذِهِ الصّفة عَظِيم النَّفس وَاسع الصَّدْر جهير الصَّوْت كثير الشّعْر فِي نواحي الصَّدْر والأكتاف إِذا لم يمْنَع مِنْهُ مَانع
1 / 204