هذه هي الغلطة التي تفضي إلى كل إثم كإثمي، وهي أن يكتفي الأهلون بتربية بناتهم على المبادئ القويمة، وتجسيم الحشمة والعفاف والأدب فيهن، ثم يزجونهن بعد ذلك بين الشبان، ويتركونهن لأنفسهن يجرين على تلك المبادئ بقدر طاقتهن، حتى إذا سقطت الواحدة منهن كان سقوطها عظيما وعقابها قاسيا جدا، فمثلها مثل الهرة التي تركها صاحبها أمام الجبنة، فلما عاد رآها قد أكلتها فجعل يضربها ضربا مبرحا.
ووجه الغلط في ذلك أن في الطبيعة البشرية هوى أقوى جدا من تلك المبادئ مهما كانت راسخة في النفس، فإذا أطلق له العنان جرى في سبيله وحطمها تحت قدميه.
قضت النواميس الاجتماعية بأن يعصي كل من الفتى والفتاة هواه الحيواني ما داما غير زوجين، وأوجبت العادات الاجتماعية أن يجتمعا لكي يتعارفا، ولكن الطبع البشري لا يقوى على هذا العصيان مهما أشرب من الفضائل والمبادئ الأدبية، فلو أخلي المكان للراهبة القديسة وللعابد الناسك معا لاستحال عليهما أن يقمعا شهوتهما، فمن يلام إذا أثم الفتى والفتاة، حيث يفسح لهما أهلهما خلوة الإثم؟ أفلا يتعين على الأهل أن يقيموا أنفسهم منفذين لتلك النواميس الاجتماعية التي دربوا أبناءهم عليها.
متى صرت أبا يا موريس فلا تكتف بتلقين أولادك المباركين تلك المبادئ بل نفذها فيهم، لا تغض الطرف عن ابنتك وابنك مهما وثقت بحشمتها وأدبهما، وإلا فاعذرهما ولم نفسك في آثامهما؛ لأن الهوى الحيواني أقوى من تلك المبادئ.
لست أبرر نفسي يا موريس، ولكني ألوم أخي وأمي لوما عظيما؛ لأنه قبل أن تنضج في الفضيلة والمبادئ الأدبية التي لقنتها في حداثتي تركاني أصون عفافي بنفسي، وأنا لم أزل ضعيفة أجهل ما في هذا العالم من الشرور والخدع.
ومع كل هذا لا تظن أني استسلمت لذلك الفتى استسلاما، بل أؤكد أني تمنعت كثيرا، وتعززت عليه جدا، ولكنه سحرني بآيات حبه حتى صرت أعده أقرب إلي من أمي وأخي، كنت أسر إليه ما أكتمه عنهما، كنت أثق به في حين أرتاب بهما، كنت أؤمل فيه متى يضعف رجائي بهما، وبالجملة أصبح ذلك الفتى موضع ثقتي ومؤملي وملجئي ومفزعي وسروري وحياتي، أصبح لي كل ذلك؛ لأنه أراني من الحب أعظمه وأقواه وأخلصه، وكنت أحبه مثل حبه، فكيف أستطيع الامتناع عنه إذا خلوت به.
قبلني مرارا إلى أن صرت أقبله، ثم ضمني مرارا إلى أن صرت أضمه، ولطالما مناني بالدعوة ومع كل ذلك كنت أخيبه، وأتملص منه بأسلوب لا يغضبه، وليتني أغضبته.
وثقت به تمام الثقة، واعتقدت أنه عاقل حكيم، فكنت أصدق كل كلمة يقولها واستصوب كل عمل يعمله، واستحال علي الظن أنه يخونني، أو يفرط بي أو يسلم بهواني، أو يضن بشيء حتى بحياته في سبيل دفع الأذى عني.
قال لي يوما: ليس حب الزوجين كحبنا يا إيفون، فنحن أقرب بعضنا لبعض من الزوجين والآباء والأولاد والإخوة، وإن كان الناس لا يرون ذلك فينا الآن فنحن نراه.
شعرت حينذاك بعظم جرمي، ولكني كنت مطمئنة لوعده أنه يتزوجني قريبا فيمحو إثمي.
صفحة غير معروفة