الفصل السابع
الهوى العذري
وفي ذات يوم من أيام مارس كان الطقس دافئا جدا، والأمير غائبا عن مصر، فذهبت وإيفون وفانتين والخادم إلى القناطر الخيرية؛ لنقضي نهارا بين الأزهار والخضرة والماء.
شعرت أن إيفون قد أفعمت حبا في ذلك الخلاء، وكأن كل ذرة من ذرات جسمها تنعطف نحوي، تأملتها وهي متكئة عند جذع الشجرة بثوبها البنفسجي والزهور منثورة أمامها، فوجدتها تحفة الخالق للطبيعة، تصورت حينئذ ذلك الكيان بلا إيفون ناقصا، وأنه لو ذهبت منه لبقي مكانها من جمال الطبيعة فارغا إلى ما شاء الله.
لم أتمثل إيفون حينئذ إلا غمامة عواطف أرق من الهواء، بل ألطف من الأثير وقد تقلصت تلك الغمامة حتى صارت كتلة يحويها ذلك الثوب المادي.
كانت كل الوقت باسمة متهللة، فكنت أتخيل أن مياه سعادتي تجري في أخدود بين شفتيها، وكل ابتسامة شعاعة من نور حياتي، وكنت أحس أن كل نسمة من أنفاسها غذاء لروحي.
جردنا الحب حينئذ عن كل مادة، فكنت أرانا روحين تتمازجان في فضاء الخيال، فما أوردت إيفون معنى إلا شعرت أنه حلقة في سلسلة تصوراتي، ولا لفظت لفظة إلا كانت نقرة على وتر من أفكاري.
كنت أرى بعين ذهني أشباح معانيها السامية، وأسمع بأذن ضميري حفيف أفكارها اللطيف، ما أهنأ تلك الساعات بل تلك الأيام التي قضيتها إلى جنب إيفون!
لا تقدر يا عزيزي بوشه أن تتصور كيف قضينا ذلك النهار في صفاء روحاني، فكانت ملائكة السماء تحف حولنا لتتلقن حديث الهوى البشري، وتنشره في عالم الأرواح لتطلع سكان السماء على سفر الحب السامي.
قلت لإيفون: بقيت لي أمنية واحدة. - ماذا؟ - أن تنقضي حياتي بانقضاء هذه السعادة. - تنقضي حياتنا يا موريس وسعادتنا لا تنقضي، بل تتم إذ نتجرد من أثقال هذه الحياة. - بل تنقضي بانقضاء هذا النهار.
صفحة غير معروفة