يقول صلى الله عليه وسلم: (اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريٌّ أن يُحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها ..) (١)
كل ذلك وغيره يهيء المسلم للاستفادة من الصلاة وما فيها من قراءةٍ للقرآن، وذكر، ودعاء في تحقيق هدفها بزيادة الإيمان وتحسين السلوك ..
غياب الرؤية:
عندما تغيب هذه الرؤية ويصبح الهدف هو أداة العبادة، بأي شكلٍ كانت، فإن ثمرة العبادة لا تكاد تظهر للوجود، ومن ثمَّ يظل العبد في مكانه؛ فلا يتقدّم في مضمار سباق السائرين إلى الله، ولا يجد حلاوة الإيمان، ولا يشعر بتحسن ملحوظ في سلوكه، لتكون النتيجة: إنسانًا ذو شخصيتين متناقضتين؛ فقد تجده كثير الصلاة والصيام والحج والاعتمار، ومع ذلك تجده لا يؤدي الأمانة، ولا يتحرى الصدق، ويسيء معاملة الآخرين، ويحسدهم على كل خير يبلغهم .. يصاب بالهلع والفزع إذا ما تعرَّضت أمواله وممتلكاته أو دنياه لمكروه ...
هذه المظاهر السلبية وغيرها تدل على أن صاحبها لم يَسْتَفِد من عباداته، ولم يتحسن إيمانه من خلالها، وبالتالي لم ينتج منها الأثر الصحيح الذي من شأنه أن يصلح السلوك والمعاملات ..
وتأكيدًا لهذا التشخيص، لك أخي القارئ أن تتأمل قوله ﷺ: "رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر" (٢) ..
وكذلك قوله (واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء قلب غافل لاه) (٣)
وقوله (ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار، قالوا: يا رسول الله مصلين؟ قال: (نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنة من الليل فإذا عُرض عليهم شيء من الدنيا وثبوا عليه) (٤)
فالمقصد من العبادة ليس فقط أداؤها من الناحية الشكلية، بل المهم والأهم هو أداؤها بطريقة تحقق هدفها؛ فإراقة دماء الهَدْي في الحج على سبيل المثال ليست مقصودة لذاتها، بل المقصود هو زيادة الإيمان والتقوى من خلال أداء هذه الشعيرة ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ (الحج: ٣٧)
إحسان العمل أولًا:
من هنا نقول بأنه ينبغي علينا أن نهتم بتحسين العمل ليتحقق من خلاله مقصود العبادة، ويزداد الإيمان في القلب ..
وفي هذا المعنى يقول الحافظ بن رجب:
كان السلف يوصون بإتقان العمل وتحسينه دون الإكثار منه، فإن العمل القليل مع التحسين والإتقان، أفضل من الكثيرمع الغفلة وعدم الإتقان.
وقال بعضهم: إن الرجلين ليقومان في الصف، وبين صلاتهما كما بين السماء والأرض.
ولهذا قال ابن عباس وغيره: صلاة ركعتين في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ.
إن القلب هو محل نظر الله عز وجل، ومن ثمَّ فإن الأعمال تتفاضل عنده سبحانه بتفاضل مافي القلوب من إيمان ومحبة وإخلاص وخشية له، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة موافقة هذه الأعمال للشرع ..
ولئن كان السير إلى الله والقرب منه إنما يكون بالقلوب، فإن وسائل ذلك هي العبادات والأعمال الصالحة التي دلنا عليها القرآن والسنة، ولكي تتم الاستفادة من هذه الوسائل في تحقيق الهدف لابد من تحسينها والاهتمام بتفاعل القلب معها، أما إذا تم التعامل معها على أنها غايات فسيصبح همّ المرء إتيانها والإكثار منها بأي شكل كان دون النظر لحضور القلب وانتفاعه بها، فيؤدي هذا إلى غياب الأثر الإيجابي للعبادات والأعمال الصالحة في حياة الفرد.
_________
(١) صحيح الجامع الصغير (٨٤٩)
(٢) صحيح الترغيب والترهيب (١٠٧٠)
(٣) السلسلة الصحيحة (٥٩٤)
(٤) أخرجه أبو نعيم في الحلية
1 / 3