257

حاشية الترتيب لأبي ستة

ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزاه وكان أجره على النصف من أجر القائم لغير إشكال، وأما قول الباجي: إن الحديث في المفترض والمتنفل معا، فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك، وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء. وحكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل، وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال: وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم، قال: وفي الحديث ما يشهد له، يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح <1/270> مقيم". ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله. ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى، وقبول عذر من له عذر، والله أعلم. إلى أن قال: وأما نفي الخطابي جواز النفل مضطجعا فقد تبعه ابن بطال على ذلك، وزاد: لكن الخلاف ثابت فقد نقله الترمذي بإسناده إلى الحسن البصري قال: "إن شاء صلى الرجل التطوع قائما وجالسا ومضطجعا، وقال به جماعة من أهل العلم، إلى أن قال: وهو اختيار الأبهري منهم، يعني من المالكية، واحتج بهذا الحديث" انتهى، وأقول: هو أحد القولين عندنا لكن بشرط أن يكون غير قادر على القيام والقعود ورجع في صلاة الفرض إلى الاضطجاع، والله أعلم.

وإذا صح ما ذكره ابن حجر من حمل المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة مع جواز قعوده، صح حمل كلام الترغيب عليه أيضا فيكون معنى قوله: "وإن صلى قاعدا فنصف ذلك"، يعني إذا لم يتحمل المشقة في القيام وصلى قاعدا، قال في القواعد: ولو قدر على القيام ولكن تلحقه مشقة فادحة بحكم العجز لسقط عنه القيام إلخ، يعنى والله أعلم، وإن تحمل المشقة فهو الأفضل له وتكتب صلاته كاملة الأجر، وإن لم يتحمل فهي على النصف، وإذا تم هذا صح هذا البحث الذي ذكرته أولا، والله أعلم.

صفحة ٢٥٨