كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي مِنْ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ وَالْمُكْرَهِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ إلَى انْتِفَاءِ تَكْلِيفِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ.
وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ الْآتِي فَلَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ
ــ
[حاشية العطار]
وَيَكُونُ مَقْصُودُ الشَّارِحِ بَيَانَ الْوَاقِعِ وَدَفْعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعْرِيفِ قَصْدًا إلَى زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَإِلَّا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ تَعَلَّقَ بِجِنْسِ الْمُكَلَّفِ فَهُوَ حُكْمٌ وَأَمَّا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَوْ لَا فَأَمْرٌ آخَرُ اهـ.
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَخْ أَنَّ مَا أَفَادَهُ هَذَا النَّفْيُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ يَرْجِعُ عِنْدَ تَحْقِيقِهِ وَتَحْرِيرِهِ إلَى انْتِفَاءِ تَكْلِيفِهِمْ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ فَيَكُونُ الْخِطَابُ التَّكْلِيفِيُّ فِي الْوَاقِعِ مُتَعَلِّقًا بِأَفْعَالِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ فَالتَّخْصِيصُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحْوَالِ قَالَ النَّاصِرُ مَا حَاصِلُهُ إنَّ الْحَقَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَخْ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَرَدَّهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ اسْتِلْزَامَ الْعُمُومِ فِي الْأَشْخَاصِ لِلْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّخْصِيصِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا اللَّازِمِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِلْزَامِ هَاهُنَا أَنَّهُ إذَا عَمَّ الْحُكْمُ فِي الْوَاقِعِ الْأَشْخَاصَ لَزِمَ أَنْ يَعُمَّ أَيْضًا فِي الْوَاقِعِ الْأَحْوَالَ وَذَلِكَ يُنَافِي التَّخْصِيصَ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ لَا أَنَّ الصِّفَةَ إذَا أَفَادَتْ الْعُمُومَ فِي الْأَشْخَاصِ كَانَتْ مُفِيدَةً لَهُ فِي أَحْوَالِهَا أَيْضًا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّخْصِيصَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَحْدَهَا كَمَا لَا يَخْفَى فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ الْحَقُّ هَذَا وَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ أَلْ هَاهُنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُمُومِ وَرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا وَرَدَ عَنْ الشِّهَابِ تَأَمَّلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّجَّارِيُّ وَيَحْمِلُ كَلَامُ الشَّارِحِ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ إيرَادِ تَقْرِيرِهِ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُكَلَّفِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَالشُّمُولِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ وَإِذْ لَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ فَيُفِيدُ عَكْسَ التَّعْرِيفِ فَأَجَابَ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ فَلَا يَفْسُدُ عَكْسُ التَّعْرِيفِ وَالثَّانِي عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ فَسَادَ عَكْسِ التَّعْرِيفِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ اللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَرْجِعُ إلَى انْتِفَاءِ تَكْلِيفِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي) قَالَ الشِّهَابُ فِيهِ قُصُورٌ عَنْ تَنَاوُلِ خِطَابِ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبًا أَوْ اكْتِفَاءً أَوْ يَدَّعِي أَنَّهُ حَيْثُ أُطْلِقَ التَّكْلِيفُ فِي كَلَامِهِمْ يُرِيدُونَ بِهِ قَسِيمَ الْوَضْعِ بِأَنْوَاعِهِ مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ كَوْنُ الْغَفْلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهَا مَوَانِعَ مِنْ تَعَلُّقِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ عُلِمَ كَوْنُهَا مَوَانِعَ أَيْضًا مِنْ بَقِيَّتِهَا لِظُهُورِ أَنَّ مَانِعِيَّتَهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ التَّأَهُّلِ مَعَهَا لِلْخِطَابِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ حَيْثُ أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى مَعْنَيَيْهَا التَّقْيِيدِ
1 / 74