حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
الصلاة والسلام أن مقتضى خطابه وأحكامه شامل للقبيلين ثابت إلى قيام الساعة إلا ما خصه الدليل. وما روي عن علقمة والحسن أن كل شيء نزل فيه يا أيها الناس فمكي، الخارجية مثل قوله: عم حكمي على الواحد حكمي على الجماعة، يعني أنه يتناول من وجد وقت الحكم ومن سيوجد إلى قيام الساعة إلا ما خصه الدليل وأخرجه عن الدخول تحت مقتضى خطابه وأحكامه ممن لا يفهم الخطاب: كالصبي والمجنون والمغمى عليه والناسي ومن لا يقدر على إتيان المأمور به وترك المنهي عنه. فقوله: «إلا ما خصه الدليل» استثناء شامل للقبيلين اللذين هما الموجودون ومن سيوجد، وإنما قلنا: إن قوله تعالى: يا أيها الناس لا يتناول بجهة لفظه من سيوجد بعد وقت الخطاب لأنه خطاب مشافهة فهو لا يتعلق بالمعدوم وإنما يتعلق بمن وجد في ذلك العصر ولا يثبت الحكم لمن وجد بعدهم إلا بدليل آخر نصا كان أو إجماعا أو قياسا فإنا قد عرفنا بالتواتر أن الخطابات المتعلقة بالموجودين في عصر النبوة ثابتة في حق من سيوجد بعد ذلك إلى قيام الساعة. فلفظ «الناس» لما كان عاما شاملا لجميع الموجودين وقت نزول الخطاب ومن المعلوم أن أصناف الناس ثلاثة: المؤمن المخلص في إيمانه، والكافر المجاهر في كفره، والمنافق المداهن في نفاقه كانت الأصناف المذكورة جميعا مأمورين بعبادة الله تعالى. والعبادة المأمور بها في حق الكفار الماحضين هي أن يحدثوا عبادته تعالى ابتداء بعد تحصيل ما هو شرط فيها من الإقرار باللسان والتصديق بالجنان لما تقرر من أن الأمر بالشيء كالصلاة مثلا أمر بما لا يصح ذلك الشيء إلا به كالوضوء، والمأمور بها في حق المؤمنين هي الزيادة في عبادتهم والمداومة عليها، وفي حق المنافقين هي الإخلاص فيها بعد تحصيل أصل الإيمان من التصديق والإيقان فهذه معان ثلاثة للفظ العبادة. فاستعماله في هذه المعاني إعمال للفظ المشترك في معانيه المتعددة وذا لا يجوز عند الأئمة الحنفية كما لا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز اتفاقا. والجواب عنه أن المطلوب من أصناف الناس إنما هو إتيان العبادة في المستقبل سواء كان إتيانها بطريق المداومة عليها أو بطريق إحداثها ابتداء بعد تحصيل شرائط صحتها من الإيمان المعتبر شرعا أو بطرق الإخلاص فيها بعد تحصيل شرائط صحتها. وحقيقة العبادة حقيقة مشتركة بين كل واحد من الإخلاص فيها والمداومة عليها وهي إفراد لتلك الحقيقة واستعمال اللفظ في إفراد معناه ليس استعمالا له في معنييه فليس هناك اشتراك ولا مجاز. قوله: (وما روي عن علقمة والحسن) أي البصري وهما من التابعين، وهو جواب عما يقال: من أن ما ذكرت من الدليل الدال على أن الناس المذكور في هذه الآية يعم المؤمنين وغيرهم من الفرق معارض بما روي عنهما من أن كل حكم وخطاب نزل فيه يا أيها الناس فهو مكي فإنه يدل على تخصيص الناس بالكفار الكائنين بمكة. وأجاب عنه أولا بمنع كون ما روي عنهما مرفوعا
صفحة ٣٦٢