حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
بما يشالكه تمثيلا لخسارهم ونحوه:
ولما رأيت النسر عز ابن داية ... وعشش في وكريه جاش له صدري
بالهدى واختيارها عليه أي ولما استعمل الاشتراء فيها بطريق الاستعارة التبعية بقرينة ذكر الضلالة والهدى اتبع هذا الاستعمال والاستعارة بما يشاء كله أي بما يلائم الاشتراء الحقيقي ويناسبه. قوله: (تمثيلا) عله لقوله: «اتبعه» أي اتبعه به تصويرا لخسارهم أي لما فات عنهم من فوائد الهدى بصورة خسار التجارة في معاملتهم المتعلقة بالأعيان ولم يقل تمثيلا لعدم ربحهم مع أنه المناسب لقوله تعالى: فما ربحت تجارتهم لأنه كناية عن الخسران فإن عدم الربح لازم للخسران ينتقل الذهن منه إليه بمعونة المقام لا سيما إذا انضم إليه قوله:
وما كانوا مهتدين فإنه يدل دلالة ظاهرة على خسارهم. قوله: (ونحوه) أي في كون الاستعارة مرشحة باتباعها ما يلائم المستعار منه. قوله:
(ولما رأيت النسر عز ابن داية ... وعشش في وكريه جاش له صدري)
النسر في الأصل طائر أبيض معروف يقال: بالتركي كركس، وابن داية كنية الغراب الأسود، وعز أي غلب، ويقال: عشش الطائر تعششا وعش الطائر موضعه الذي يجمعه من دقاق العيدان وغيرها للتفريخ فيه وهو في أفنان الشجر. فإذا كان في جبل أو جدار ونحوها فهو وكر ووكن، وإذا كان في الأرض فهو أفحوص وأدخى. وقيل: الوكر العش حيث كان في جبل أو شجر. وضمير «عز وعشش» للنسر وضمير «وكرية» لابن داية. والمراد بتعشيشه في وكري الغراب حلوله ونزوله فيهما. وقوله: «جاش له صدري» جواب «لما»، وهو من جاشت القدر تجيش أي غلت، والمراد بغليان الصدر اضطرابه استعار لفظ النسر للشيب، ولفظ ابن داية للشعر الأسود. ورشح الاستعارتين بأن اتبعهما بذكر التعشيش وبالوكرين لأن الغراب يكون له وكران وكر للشتاء ووكر للصيف، والوكران استعارتان للحية وللرأس أو للفودين وهما جانبا الرأس، كما أن التعشيش استعارة للحلول والنزول. وكون التعشيش والوكر ترشيحا للمجاز لا ينافي كونهما استعارتين فإن كونهما ترشيحا ليس باعتبار المعنى المقصود بهما بل باعتبار لفظيهما ومعناهما الأصلي. فإن الترشيح قد يكون باقيا على حقيقته تابعا للاستعارة ولا يقصد بها إلا تقويتها كقولك: رأيت أسدا وافي البراثن، فإنك لا تريد به إلا زيادة تصوير الشجاع وأنه أسد كامل من غير أن تذهب بلفظ البراثن إلى معنى آخر. وقد يكون مستعارا من ملائم المستعار منه لملائم المستعار له كما في البيت، فإن لفظ الوكرين كما ذكر استعير فيه من معناه الحقيقي للرأس واللحية أو للفودين، ولفظ التعشيش للحلول والنزول فيهما مع كونهما مستعارين ترشيحا لتينك الاستعارتين لا باعتبار المعنى المقصود
صفحة ٣٠٧