حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
سمي جزاء السيئة سيئة، إما لمقابلة اللفظ باللفظ أو لكونه، مماثلا له في القدر، أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزىء بهم، أو ينزل بهم الحقارة والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه، أو يعاملهم معاملة المستهزىء أما في الدنيا فبإجراء أحكام أن الذي أسند إليه تعالى ليس نفس الاستهزاء بل المجازاة عليه إلا أنها سميت استهزاء مجازا على طريق تسمية جزاء الشيء باسمه وهو كثير في القرآن. قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى: 40] فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [البقرة: 194] يخادعون الله وهو خادعهم [النساء: 142] ومكروا ومكر الله [آل عمران: 54] وبين المصنف وجه هذه التسمية بقوله: «إما لمقابلة اللفظ باللفظ» أي لقصد مقابلة اللفظ باللفظ المجانس له مع اختلاف المعنى المقصود فيكون مشاكلة وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوع ذلك الشيء في صحبة ذلك الغير. قوله: (أو لكونه مماثلا له في القدر) وجه ثان لتسمية جزاء الاستهزاء باسم الاستهزاء، فإن الجزاء لما كان مشابها لأصل الفعل في القدر كما صرح به قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى: 40] ونحو ذلك صح أن يعبر عن الجزاء باسم المشبه به فيكون لفظ «يستهزىء» استعارة تبعية. قوله: (أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم) عطف على قوله: «يجازيهم على استهزائهم» من الإرجاع. ويجوز أن يتلفظ بفتح «الياء» على أن يكون من الرجع المتعدي لا من الرجوع اللازم. يقال: رجع بنفسه رجوعا ورجعه غيره رجعا، وهذيل تقول: أرجعه غيره إرجاعا. وهو جواب ثان عن إشكال إسناد الاستهزاء بمعنى السخرية إليه تعالى، وتقريره أن ما أسند إليه تعالى ليس نفس الاستهزاء وحقيقته بل هو إرجاع وبال استهزائهم بالمؤمنين على أنفسهم من حيث إن كلا واحد وقصر ضرره عليهم، إلا أن ذلك الإرجاع شبيه بالاستهزاء من حيث إن كل واحد منهما فعل بقصد إلقاء الوخامة والثقل على الغير. فاستعير اسم المشبه به للمشبه ثم اشتق منه لفظ «يستهزىء» فصار استعارة تبعية أيضا، إلا أن المشبه في الوجه الأول جزاء الاستهزاء ووجه الشبه المساواة في القدر والمشبه في هذا الوجه إرجاع وبال الاستهزاء، ووجه الشبه إلقاء الوبال على الغير. قوله: (أو ينزل بهم الحقارة والهوان) عطف على قوله: «يجازيهم» أيضا وهو جواب ثالث عن الإشكال المذكورة. وتقريره أن قوله تعالى الله: يستهزئ بهم بمعنى أن الله ينزل بهم الحقارة إما بناء على أن إنزال الهوان لازم مرتب على الاستهزاء في الوجود أو غرض منه باعث للفاعل عليه، وعلى التقديرين يكون لفظ «يستهزئ» مجازا مرسلا من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم أو من قبيل ذكر المسبب وإرادة السبب الحامل نظرا إلى التصور وبالعكس نظرا إلى الوجود.
قوله: (أو يعاملهم معاملة المستهزىء) فيكون استعارة تبعية تخييلية حيث شبه صورة
صفحة ٢٩٧