حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
واستقلال كل منهما بالحكم. ووحد السمع للأمن من اللبس. واعتبار الأصل فإنه مصدر في أصله والمصادر لا تجمع، أو على تقدير مضاف مثل وعلى حواس سمعهم.
والأبصار جمع بصر وهو إدراك العين وقد يطلق مجازا على القوة الباصرة وعلى العضو، وكذا السمع ولعل المراد بهما في الآية العضو لأنه أشد مناسبة للختم والتغطية، وبالقلب ما هو محل العلم وقد يطلق ويراد به العقل والمعرفة كما قال تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب [ق: 37] وإنما جاز إمالتها مع الصاد لأن الراء المكسورة المناسب للزيادة ههنا هو الشدة، فإذا دخلت كلمة «على» على القلوب وعطف السمع عليها بالواو حصلت الدلالة على شدة الختم فيهما، وإذا كرر يراد زيادة الدلالة على شدته فيما دخلت هي عليه. والفائدة الثانية الأدلة على استقلال كل واحد من القلوب والأسماع بكونه مختوما عليه وذلك لأن ملاحظة معنى الجار في كل من الموضعين تقتضي أن يلاحظ مع كل واحد منهما معنى الفعل المتعدى به، فكأن الفعل مذكور مرتين وذلك يدل على أن كل واحد منهما مختوم عليه بختم على حدة، وأن ختم القلوب ختم مغاير لختم السمع. وقد فرق النحويون رحمهم الله بين «مررت بزيد وعمرو» وبين «مررت بزيد وبعمرو» فقالوا في الأول:
هو مرور واحد، وفي الثاني: هما مروران. وهذا الوجه وهو كون ملاحظة معنى الجار في كل واحد من الموضعين مقتضيا لملاحظة معنى الفعل مع كل واحد منهما كما يدل على استقلال كل واحد منهما بالختم يدل أيضا على شدته فيهما، وذلك لأن تكرير الجار لما كان في قوة تكرير الفعل المعدى به كان ذلك في قوة تأكيد الفعل وتأكيده يدل على شدته. قوله:
(ووحد السمع) جواب سؤال تقريره أن يقال: إن السمع لفظ مفرد وقد أضيف إلى ضمير الجمع، والجماعة لا يكون لهم سمع واحد فكان مقتضى الظاهر أن يقال: «وأسماعهم» ولا سيما أن ما قبله «قلوبهم» وما بعده «أبصارهم» وكلاهما جمع فالمناسب للطرفين صيغة الجمع. وتقرير الجواب أن السمع في الأصل وإن كان مصدرا كالسماع بمعنى إدراك القوة السامعة يقال: سمعت الشيء سمعا وسماعا، إلا أنه قد يطلق على آلته التي هي الأذن السامعة وعلى القوة السامعة المودعة فيها مجازا، وإن الأقرب أن يكون المراد به في الآية نفس العضو لأنه جسم صالح للختم بخلاف المعنيين الأخيرين فإنهما عرضان تابعان له.
ومن المعلوم أن القوم المذمومين لهم آذان سامعة بعددهم، وأن المعنى ختم الله على آذانهم فلا يصل إلى قلوبهم من جهتها إدراك فكان القياس أن يجمع السمع لكنه لم يجمع للأمن من اللبس. وهذا شائع مطرد عند الأمن منه، كما وحد الشاعر البطن في موضع الجمع حيث قال:
كلوا في بعض بطنكمو تعفوا ... فإن زمانكم زمن خميص
صفحة ٢٤٧