حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، المسماة: عناية القاضى وكفاية الراضى على تفسير البيضاوي
يسمى الحاصل بالمصدر، وهو المفعول المطلق كما في الرضى. وحاصل كلامه أنه حمل هذا التعريف على التعريف المشهور بحمل القول والعمل في كلام المصنف ﵀ على الحاصل بالمصدر، وفي المشهور على المصدر المبنيّ للفاعل، واذعى كون المقابلة بالفعل والقول صادقة على المعنى المصدرفي، ويرد عليه أنّ تفسير الفعل المنبىء عن تعظيم المنعم بالكون الذي هو من الاعتبارات العقلية، والعدول عن الحاصل بالمصدر الذي هو أمر موجود في الخارج مشاهد واضح الدلالة على التعظيم غير مرضيّ، فما معنى قوله ويصدق الخ. وحمل المقابلة بالفعل والقول على أضدادها خروج عن الجادّة من غير ضرورة، ولا فائدة، والمعتبر في الشكر اللغويّ وصول النعمة إلى الشاكر، ولذا قالوا: إنه عين الحمد العرفي لو اعتبر فيه أيضا وصول النعمة للحامد، وأخص منه إن لم يعتبر، ويشترط فيه موافقة القول والعمل للاعتقاد، والشكر الجنانيّ كما قال قدّس سره: إنه اعتقاد اتصاف المنعم بصفات الكمال، وهو من حيث إظهاره أو إظهار ما يدل عليه تعظيم للمنعم مستلزم لمحبته ظاهرًا فلا يرد عليه ما قيل من أنّ الظاهر أن يقال: إنه محبة المنعم لإنعامه إذ العدوّ قد يعتقد اتصاف عدوّه بالكمال، ولا يعد بمجرّد ذلك شاكرًا.
(أقول) ما ذكره القائل مبنيّ على ما أسسه في مقالته المعقودة لبيان المصدر، والحاصل بالمصدر، وهو كلام مموّه بينا ما له، وما عليه ثمة، والذي عناه الفاضل الليثيّ أنّ مدلول المصدر الفعل، والتأثير نفسه، ويطلق حقيقة على أثره، وهو الحاصل بالمصدر، فإنهما كشيء واحد تعدد بتعدّد محله فباعتبار تعلقه بالفاعل تأثير، وبالمفعول تأثر وأثر، ونظيره ما قيل إنّ التعليم والتعلم واحد، وبهذا عرفت سقوط ما أورد عليه برمّته نعم في كلامه نظر آخر، لأنّ قوله إنه لا يقال لأجزاء الشيء شعبه غير مسلم، وما ذكره من التسامح منشؤه، كما قيل ذكر الفعل في تعريفه، وقد قيل إنهم أرادوا به الأمر الحادث لا التأثير، فيشمل الاعتقاد وفيه تأمّل. قوله: (أفادتكم النعماء الخ) هذا البيت لم يذكر أصحاب الشواهد قائله ولا ما قبله وما بعده، وفي بعض الحواشي أنه لأعرابيّ أتى عليًا ﵁ سائلاَ، فأعطاه درهمًا فلما استقله ولم يكن عند غير درع له ناوله إياها فامتدحه بشعر هذا من جملته، ولست على ثقة منه، وأفاد من الفائدة، وهي الزيادة تحصل للإنسان، ومعناه أعطى يقال أفدته ما لا إذا أعطيته، وأفدت منه ما لا أخذت، وكرهوا أن يقال أفاد الرجل ما لا إفادة إذا استفاده، وبعض العرب تقوله كما في المصباح، والنعماء بفتح النون والمد بمعنى النعمة فاعل أفاد وثلاثة مفعوله ويدي وما عطف عليه بدل منه، ومني متعلق بأفاد أو حال من ثلاثة متقدمة عليها لكونها نكرة واليد واللسان معروفتان ويتجوّر بهما عن معان مشهورة أيضا، وضمير الإنسان قلبه وباطنه ونيته المضمرة في قلبه، ويجمع على ضمائر على التشبيه بسريرة وسرائر، وحقه أن لا يجمع عليها والمحجب بمعنى الخفي وسيأتي معنى توصيف الضمير به، وقال الشارح المحقق: المراد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد والاستدلال على أنّ لفظ الشكر يطلق عليها.
وقال قدس سره: هو استشهاد معنويّ على أنّ الشكر يطلق على أفعال الموارد الثلاثة،
وبيانه أنه جعلها بإزاء النعمة جزاء لها متفرعا عليها، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة، ومن لم يتنبه لذلك زعم أنّ المقصود مجرّد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد على أن لفظ الشكر يطلق عليها، فإنه غير مذكور، وما يقال من أن الشاعر جعل مجموعها بإزاء النعمة، فيستفاد منه أنه يطلق عليه لا على كل واحد منها، فجوابه أنه لا شبهة في إطلاقه على فعل اللسان حتى توهم كثير اختصاص الشكر لغة به، وإنما الاشتباه في إطلاقه على فعل القلب والجوارح فلما جمع مع الأوّل علم أن كلا شكر على حدة، فكأنه قيل كثرت نعماؤكم عندي وعظمت، فاقتضت استيفاء أنواع الشكر، وبولغ في ذلك حتى جعلت مواردها واقعة بإزاء النعماء ملكا لأصحابها مستفادًا منها، وفي وصف الضمير بالحجب إشارة إلى أنهم
ملكوا ظاهره وباطنه انتهى. وقد قيل عليه إنّ المقدمة الأولى ظاهرة لا تحتاج لإثبات بمثل هذا الشعر والثانية غير مسلمة لما في التيسير وغيره في الفرق بين الحمد والشكر من أنّ الأوّل بالقول، والثاني بالعمل وقيل الأوّل على النعم الظاهرة، والثاني على الباطنة، وقال الراغب:
1 / 76