حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، المسماة: عناية القاضى وكفاية الراضى على تفسير البيضاوي

شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ) ت. 1069 هجري
74

حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، المسماة: عناية القاضى وكفاية الراضى على تفسير البيضاوي

ليظهر استقامة تثبيه الصفات الذاتية بها، وتنزيلها منزلتها لذلك وليس كذلك، فإن كل فعل اختياري يحتاج إلى علم فاعله وقدرته، وأكثرها محتاج إلى آلات وأسباب أخر كما ذكر. بعض الفضلاء، وانه على تسليم استعمال الاختياري بالمعنى الثاني لا نسلم اتصاف الصفات الذاتية بالصدور إلا بتكلف يأباه لفظه، وأمّا كونها صادرة بالاختيار بالمعنى الأخص على ما قرّر في الكلام من أنّ الفلاسفة ادّعوا إيجاد العالم بطريق الإيجاب فلزمهم أن لا يكون لموجده إرادة واختيار، وقيل بانهم يقولون بأنه فاعل مختار بمعنى إن شاء فعل الخ. وصدق الشرطية لا يقتضي وجود مقدمها ولا عدمه، فقدم الشرطية الأولى بالنسبة إلى وجود العالم دائم الوقوع ومقدّم الثانية دائم اللا وقوع، ولهذا أطلق عليه الصانع وهو من له الإرادة بالإتفاق وهذا وأن ارتضوه ففي نهاية الطوسي إنه كلام لا تحقيق له لأنّ الواقع بالإرادة والاختيار ما يصح وجوده بالنظر إلى ذات الفاعلى، فإن أريد بالدوام واللا دوام المذكورين أنه مع صحة وقوع نقيضهما فهو مخالف لما صرحوا به من أنه موجب بالذات للعالم بحيث لا يصح عدم وقوعه منه، وان اريد دوامهما مع امتناع نقيضهما فليس هناك حقيقة الإرادة، والاختيار بل مجرّد اللفظ، ومتعلق الإوادة لا محيص عن حدوثه، والعالم عندهم قديم، فما هذا إلا تمويه وتلبيس انتهى. وأيضا ما ذكر من تفسير الاختيار بمختار المتكلمين لا الفلاسفة، مع أنه قد قيل عليه هنا أنه لا يجري في صفة المشيئة، وما يسبق عليها من الحياة والعلم والقدرة، ولذا قال في رسالة الحمد: إنه تكلف لا يتأتى في صفة القدرة، لأنّ صدورها ليس بالاختيار والألزم تقدّم الشيء على نفسه، فما ذكر ليس بحاسم للسؤال، ولا قاطع لمادّة الإشكال ولك أن تدفع ما ذكر باختيار الشق الأوّل، فتقول الصادر عن الموجب بالذات ليس واجبا بالدّات بل باعتبار صدوره عن الواجب بالذات، وهو في حد ذاته ممكن، وقوله: إنه قديم ليس المراد به القدم الذاتي، فنقول بصحة وقوع نقيضيما وان لم يقع لأنّ صحة الوقوع أعمّ من الوقوع، فإن قلت هذا ظاهر في العالم فما حال الصفات الذاتية، قلت: هي وان لم تكن مخلوقة لأنّ الخلق الإيجاد بعد العدم، فهي ممكنة في حد ذاتها عند بعض المحققين لأنها مستندة للذات ومحتاجة لها، وكل محتاج لغيره ممكن، فليست واجبة بالذات، وان كانت قديمة حتى يلزم تعدد الواجب، وان قيل بعدم امتناعه إذ الممتنع تعدّد ذوات واجبة، وفي التفسير الكبير الذات كالمبدأ للصفات، وهو صريح فيما ذكر، ثم إنه قيل على قول الشريف يلزم أن لا يحمد الله الخ أنه إن أراد أنه يلزم أن لا يحمد مطلقًا عليها حقيقة أو مجازا، فالشرطية بينة البطلان إذ التخصيص بالأفعال الاختيارية إنما هو في المعنى الحقيقيّ، وان أراد أنه يلزم أن لا يحمد حقيقة، فليس لقوله اللهم الخ وجه لأنه يقتضي أنّ هذا الجعل مما يصحح الحمد الحقيقيّ، وليس بصحيح، إذ عليه يكون الحمد مجازيا لأنّ الحقيقيّ ما يكون على الاختيار حقيقة، وهو غير وارد لأنّ مراده قدّس سر. أنه يحمد عليها، وهي غير داخلة في التعريف، فليس بجامع فأدخلها فيه بهذا التأويل، فالتجوّز في التعريف لا المعرّف، ولما كان المجاز في التعاريف فيه ما فيه أشار إلى ضعفه بقوله اللهم، وقد خطأ الرازي في هذا بعض علماء المغرب وأشبعنا الكلام فيه في شرح الشفاء. واعلم أنّ ما عرّفه المصنف هو الحمد اللغوفي، مورده ص اهـ ومتعلقه عامّ، والشكر اللغويّ ما ينبىء عن تعظيم المنعم على الشاكر فعلًا أو قولًا أو غير ذلك ومورده عام ومتعلقه خاص، والحمد عرفا فعل ما يشعر بتعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره، والشكر عرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه به لما خلق لأجله والنسبة بينها معروفة، والمراد بالعرف هنا عرف اللغة المستعمل، والحق الحقيق بالاتباع أن الحمد اللغويّ لا يكون إلا بالأفعال الاختيارية قال تعالى: ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ أسورة آل عمران: ١١٨٨ فالحمد بالصفات الذاتية حمد عرفيّ لدلالته على تعظيمه. قوله:) من نعمة أو غيرها (قيل في فذا وفي قوله على علمه إشارة إلى أنه ليس المراد بالجميل الفعل بالمعنى المصدريّ اللهم إلا أن يقال المراد بالنعمة الإنعام بها والعلم بمعناه المصدريّ انتهى. قيل: وفي قوله اللهم إشارة إلى بعد هذا المراد كيف والمنظور إليه في مقام حمد العالم والكريم ما لهما من الكمال الذي تميزا به، وهو الملكة

1 / 73