حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية)

ابن القيم الجوزية ت. 751 هجري
32

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية)

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

1415 - 1995

مكان النشر

بيروت

تصانيف

الفقه

وقيل معلل باحتمال النجاسة كثرة في يديه أو مباشرة اليد لمحل الاستجمار

وهو ضعيف أيضا

لأن النهي عام للمستنجي والمستجمر والصحيح وصاحب البثرات

فيلزمكم أن تخصوا النهي بالمستجمر وصاحب البثور وهذا لم يقله أحد

وقيل وهو الصحيح إنه معلل بخشية مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه

وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم فإنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه متفق عليه

وقال هنا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده

فعلل بعدم الدراية لمحل المبيت

وهذا السبب ثابت في مبيت الشيطان على الخيشوم فإن اليد إذا باتت ملابسة للشيطان لم يدر صاحبها أين باتت وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سر يعرفه من عرف أحكام الأرواح واقتران الشياطين بالمحال التي تلابسها فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث فإذا نام العبد لم ير في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه فيستوطنه في المبيت وأما ملابسته ليده فلأنها أعم الجوارح كسبا وتصرفا ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية فصاحبها كثير التصرف والعمل بها ولهذا سميت جارحة لأنه يجترح بها أي يكسب

وهذه العلة لا يعرفها أكثر الفقهاء وهي كما ترى وضوحا وبيانا

وحسبك شهادة النص لها بالاعتبار

والمقصود أنه لا دليل لكم في الحديث بوجه ما والله أعلم

وقد تبين بهذا جواب المقامين الثاني والثالث

فلنرجع إلى الجواب عن تمام الوجوه الخمسة عشر فنقول وأما تقديمكم للمفهوم من حديث القلتين على القياس الجلي فمما يخالفكم فيه كثير من الفقهاء والأصوليين ويقولون القياس الجلي مقدم عليه وإذا كانوا يقدمون القياس على العموم الذي هو حجة الاتفاق فلأن يقدم على المفهوم المختلف في الاحتجاج به أولى

ثم لو سلمنا تقديم المفهوم على القياس في صورة ما فتقديم القياس ها هنا متعين لقوته ولتأيده بالعمومات ولسلامته من التناقض الملازم لمن قدم المفهوم كما سنذكره ولموافقته لأدلة الشرع الدالة على عدم التحديد بالقلتين

فالمصير إليه أولى ولو كان وحده فكيف بما معه من الأدلة وهل يعارض مفهوم واحد لهذه الأدلة من الكتاب والسنة والقياس الجلي واستصحاب الحال وعمل أكثر الأمة مع اضطراب أصل منطوقه وعدم براءته من العلة والشذوذ قالوا وأما دعواكم أن المفهوم عام في جميع الصور المسكوت عنها فدعوى لا دليل عليها

فإن الاحتجاج بالمفهوم يرجع إلى حرفين التخصيص والتعليل كما تقدم

ومعلوم أنه إذا ظهر للتخصيص فائدة بدون العموم بقيت دعوى العموم باطلة لأنها دعوى مجردة ولا لفظ معنا يدل عليها

صفحة ٨٥