المحشي: قوله: «من حيث إنه مكلف» بكسر الهمزة، وقد أولع الفقهاء بفتحها وعد من اللحن، لكنه يجوز على رأي الكسائي في إضافة حيث إلى المفرد قاله الزركشي، وقد أوجب المتوسط وغيره فتحها، والحق جواز الأمرين، وإن كان كسرها أكثر، وأورد على المحشي: أنه كان ينبغي أن يزيد بعد المكلف «به».
الشارح: وخرج «بفعل المكلف» خطاب الله المتعلق بذاته، وصفاته، وذوات المكلفين، والجمادات، كمدلول: (الله لا إله إلا هو) البقرة: 255، (خالق كل شيء) الأنعام: 102، (ولقد خلقناكم) الأعراف: 11، (ويوم نسير الجبال) الكهف: 47، وبما بعده بمدلول: (وما تعملون) الصافات: 96، من قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) الصافات: 96، فإنه متعلق بفعل المكلف، من حيث إنه مخلوق لله تعالى.
المحشي: وأجيب: بأنه لو زاده لاقتضى أن المكلف لا يخاطب إلا بما كلف به، وليس كذلك، إذ المندوب والمكروه والمباح مخاطب بها، مع أنه غير مكلف بها كما سيأتي.
قوله: «فتناول» أي التعريف. قوله: «والقولي» أي كتكبير التحرم، عطف على «القلبي» الشامل للاعتقادي كاعتقاد أن الله واحد، ولغيره كالنية في الوضوء، قوله: «وغيره» أي كأداء الزكاة والحج. قوله: «الآتية» صفة لمدخولات «من» أو «لأوجه التعلق»، والمعنى واحد.
الشارح: ولا خطاب يتعلق بفعل غير البالغ العاقل. وولي المجنون مخاطب بأداء ما وجب في ما لهما منه، كالزكاة وضمان المتلف. كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفه حيث فرط في حفظها، لتنزل فعلها في هذه الحالة منزلة فعله. وصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليها، ليس لأنه مأمور بها كالبالغ، بل ليعتادها فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله ذلك. ولا يتعلق الخطاب بفعل كل بالغ عاقل، كما يعلم مما سيأتي، من امتناع تكليف الغافل والملجأ والمكره. ويرجع ذلك في التحقيق إلى انتفاء تكليف البالغ العاقل في بعض أحواله. وأما خطاب الوضع الآتي فليس من الحكم المتعارف.
المحشي: قوله: «للأخيرين» أي للاقتضاء غير الجازم والتخيير، «الأول الظاهر» أي الاقتضاء الجازم، فإن تناول حيثية التكليف له ظاهر، وللأخيرين خفي، لأن الاقتضاء الجازم: هو إلزام ما فيه كلفة، وهو معنى التكليف بخلاف الأخيرين لا إلزام فيهما، ولهذا بينهما بقوله: «فإنه لو لا وجود التكليف لم يوجدا» إلى آخره.
قوله: «ولا خطاب يتعلق بفعل غير البالغ العاقل» نفى الخطاب التكليفي عن فعل غير البالغ العاقل، لما يأتي من أن الخطاب الوضعي يتعلق بذلك.
قوله: «ومن جعله منه» أي من الحكم المتعارف، زاد «أو الوضع» فإنه يقول الخطاب نوعان: تكليفي ووضعي، فإذا ذكر أحدهما.
لا حكم إلا لله
صاحب المتن: ومن ثم، لا حكم إلا لله
الشارح: كما مشى عليه المصنف، ومن جعله منه -كما اختاره ابن الحاجب - زاد في التعريف السابق ما يدخله، فقال: «خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع»، لكنه لا يشمل من الوضع ما متعلقه غير فعل المكلف كالزوال سببا لوجوب الظهر.
المحشي: وجب ذكر الآخر، ومن لم يجعله منه، يمنع كون الخطاب الوضعي حكما، فكيف يجب ذكره في تعريف الحكم، بل كيف يصح؟ وقد يقال: من جعله منه، لا يحتاج إلى زيادة «أو الوضع»، لدخوله في الحد، إذ المراد من الاقتضاء والتخيير، أعم من الصريح والضمني، وخطاب الوضع من قبيل الضمني، إذ معنى سببية الزوال مثلا إيجاب الصلاة عنده، فاندفع ما ذكره بقوله: «لكنه لا يشمل من الوضع ما متعلقه غير فعل المكلف كالزوال سببا لوجوب الظهر»، مع أن السعد التفتازاني سأل ذلك وأجاب عنه: بأن المراد بالتعلق الوضعي أعم من أن يجعل فعل المكلف سببا أو شرطا لشيء أو يجعل «شيء» سببا أو شرطا له.
صفحة ١٧