واحد منها في أثناء النهار كاشف عن عدم حدوث التكليف بالصوم ابتداء، لا أنه حدث وارتفع، كما أن المذي على تقدير مانعيته إنما يمنع من بقاء الطهارة، لا حدوثها، فليس هو من هذا القبيل.
فالشك في أن المرض الكذائي مانع عن الصوم أم لا، يرجع إلى الشك في أن التكليف بالصوم مع علم الامر بأنه سيتفق هذا المرض في أثناء النهار، هل حدث أم لا؟ لا إلى الشك في أن ذلك التكليف هل ارتفع بعد الحدوث أم لا؟ حتى يكون من قبيل الشك في مانعية المذي، فإذا رجع الشك إلى الشك في الحدوث، فمقتضى الاستصحاب: عدم الحدوث، وهو عكس المطلوب.
والحاصل: أنه لما كان من الموانع ما يمنع عن حدوث الشئ كالحيض للصوم، ومنها: ما يمنع من بقائه كالبول للطهارة، فكلما شك في كون شئ مانعا بالطور الثاني - كالمذي - فيجري فيه الاستصحاب، لان مرجعه إلى الشك في البقاء.
وكلما شك في كون شئ مانعا على النهج الأول فلا يجري فيه الاستصحاب، لان مرجعه إلى الشك في الحدوث، بل الأصل: عدم الحدوث.
فإن قلعت: لا شك أن هذا الشخص كان قبل عروض المرض مكلفا في مرحلة الظاهر بالصوم وحرمة الافطار، لعدم علمه بأنه سيصير مريضا، فنستصحب هذا التكليف الظاهري.
قلت: لا ريب أن هذا التكليف الظاهري إنما كان لاعتقاده أنه مكلف به في الواقع، والآن قد زال الاعتقاد، فيزول ما كان منوطا به.
نظير ما إذا اعتقدنا أولا بأن هذا المائع خمر، فكان حراما علينا من جهة الاعتقاد، ثم شككنا في أنه نهر أو خل، فلا يمكن استصحاب الحرمة السابقة، لان الحرمة الواقعية مشكوكة الحدوث من أول الامر، والظاهرية
صفحة ٣٦