فكتب لي جعفر الضيعة، وحمل الفضل المال إلي فأثريت، وارتفع حالي، وكسبت بعد ذلك معه مالا طائلا أنا أتقلب فيه إلى اليوم، فوالله - يا أمير المؤمنين - ما أجد فرصة أتمكن من الثناء عليهم والدعاء لهم إلا انتهزتها؛ مكافأة لهم على إحسانهم، ولن أقدر على مكافأتهم، فإن كنت قاتلي على ذلك فافعل» فرق الرشيد لذلك وأطلقه.
قسوة الترك
ولما نكب الناس بالبرامكة، وعاش من عاش منهم حتى رأوا سلطان الترك؛ أنشدوا قول القائل:
رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
فإن شدة الأتراك وقسوتهم مكنتهم من أن يقتلوا الخليفة بعد اثنتي عشرة سنة من سلطانهم.
وقد أكثر الترك من مصادرة الناس لأموالهم ... وكان من مصائب الرجل أن يكون غنيا، وقد صادروا الكتاب، وصادروا الأمراء الكبار، وأخيرا تجرأوا فصادروا أم الخليفة المتوكل؛ لكثرة أموالها، حتى اضطرت إلى الهرب إلى مكة، وكانت تدعو وهي في مكة على التركي الذي سلبها أموالها، وهو صالح بن وصيف التركي، وتقول: «اللهم اخز صالحا كما هتك سترى وقتل ولدي، وشتت شملي، وأخذ مالي، وغربني عن بلدي» مما لم يفعله - ولا بعضا منه - الفرس في أيام سلطتهم، حتى إن البحتري لما شاهد قتل الترك للمتوكل خرج هائما على وجهه إلى إيوان كسرى، وفي ذلك إشارة إلى تفضيله حكم الفرس على حكم الترك، وقال قصيدته السينية المشهورة يصرح فيها بأن الفرس ليسوا بقومه، ولكن لهم فضل بما أيدوا من ملكهم، وخدموا دولتهم ... مع أنه ليس من جنسهم، وعلى العكس من ذلك كان الترك، وإنما دعاه إلى ذلك - كما يقول - أنه كان يألف الأشراف من كل جنس، ويحب الأصول من كل قوم؛ يقول:
ذاك عندي وليست الدار داري
باقتراب منها ولا الجنس جنسي
غير نعمى لأهلها عند أهلي
صفحة غير معروفة