ويسرع نور إلى أبي سريع، ولكن أبا سريع لا يتكلم فيدرك نور أنه إنما يريده في سر، فيدخل رأسه في السيارة ويضع أذنه على فم أبي سريع، ويهمس هذا في أذنه: البك يريد الدفراوي أن يأتي إليه غدا.
ويجيب نور في سرعة لا يسبقها ريث تفكير : حاضر.
ويخرج نور رأسه وتشرق على وجهه ابتسامة، فقدا بدا أمام الجميع موضع سر من البك أو من أحد رجال البك، وتشرق على وجهه ابتسامة أخرى؛ لأنه يعرف لماذا يريد البك الدفراوي، فقد كان يحزن البك أن تتم في المديرية كلها عملية كهذه العمليات التي تمت دون أن يعلم بها من قبل، أو يعلم على الأقل فيما بعد من الذي ارتكبها. ولم يكن هذا الحب الجارف للعلم نتيجة حب استطلاع، بل كان نتيجة حب البك للحياة، فإن أي مجرم لا يعرفه قد يقتله مأجورا على ذلك أو متفضلا، ولم يكن البك يحب أن يقتل.
نعم كان نور مشرقا حين بارحهم البك، فقد كان يظن أن الواقفين يجلون فيه أنه موضع سر البك المجرم، ولو كشف عن نفوسهم لأذهله الذي يجده بها من كره له وللبك جميعا، ولأذهله أيضا احتقارهم إياه، واحتقارهم المضاعف أضعافا كثيرة - بقدر فرق درجة الإجرام بينهما - للبك نفسه، ولم يكن نور يظن أن لطيفا يمكن أن يكون محل احتقار من أحد.
كان الموعد قد حل لانتهاء الجلسة، فقد جاء موعد العشاء، استأذنوا من العمدة جميعا وانصرفوا، وانفتل العمدة إلى منزله. •••
ذهب الحاج علي والشيخ رضوان صامتين إلى دكان الحاج علي فوجدا أحمد أبا خليل ينتظرهما، فابتدرهما قائلا: مرحبا، مرحبا، يدك أقبلها يا عم الشيخ رضوان.
فيقبلها ويلتفت إلى الحاج علي: يدك أقبلها يا عم الحاجعلي؟
فيقبلها أيضا، ولكن الشيخين غير راضيين؛ فقد ارتجف قلبهما من حديث الحاج إبراهيم، ولم يجد الحاج علي مفرا لنفسه من ضميره إلا أن يقول لأحمد: يا بني ألم تجد وسيلة لترضي بها الحاج إبراهيم؟
ويربد وجه الفتى وتعلوه الحسرة. - ماذا أفعل له؟ ماذا أفعل؟ قصدت إليه حين علمت بطلاق سعدية أرجوه أن يشتري الفدان الذي كان يريد شراءه، وكنت قد اتفقت مع محجوب على أن يشتري منه عشرين قيراطا، وقلت في نفسي: الفرق بين الثمنين يكون مهر سعدية، ولكن الحاج إبراهيم رفض أن يشتري الفدان وطردني.
فقال الشيخ رضوان في ضيق: أرخص له الثمن. - أرخصته حتى بلغ ستمائة جنيه، فأقسم لا يشتريه، بل أقسم ... بل أقسم ألا يقبله هبة، فتركته.
صفحة غير معروفة