المدارس الأوروبية
كتب الأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك في شأن المدارس الأوروبية قائلا:
19 «كثر عدد المدارس الأوروبية التي فتحتها البعثات الدينية للبنين والبنات، ولم تنتشر في أي عهد بمثل ما كثرت في عهده، وقد أخرجت عددا كبيرا من رجال الأعمال والمهن الحرة وموظفي الحكومة، وخاصة موظفي البريد والسكة الحديدية والمحال التجارية والبنوك وتراجمة القنصليات والمحاكم المختلطة»، وعلق إلياس الأيوبي
20
على أعمال المدارس الأوروبية قائلا: «إن الإنصاف يقضي علينا بأن نعترف مع المستر ماك كون بأنها عملت عملا محمودا على تقدم العلوم في البلاد بين طبقات الأمة، وأنها وضعت نصب عينها التعليم الجيد أولا، ثم السعي إلى نشر الدين. فكان هذا سر نجاحها وتوافد الطلبة عليها من كل ملة ونحلة وجنس.» ونضيف إلى ذلك أنها هيأت أبناء كبار المصريين للاختلاط بالغربيين، وساعدت على انتشار اللغة الأجنبية، وتكوين فئة من المترجمين في زمن كانت فيه البلاد في حاجة ماسة إليهم بسبب تعدد الجاليات الأوروبية وسعة نفوذها. (3) الترجمة في المصالح والدواوين (3-1) وجوب استعمال اللغة العربية
ظلت اللغة التركية حتى أوائل عصر إسماعيل لغة البلاد الرسمية، وقد وطد الخديو عزمه لأغراض اجتماعية وسياسية على إبطال استعمالها في المصالح والدواوين، وإحلال اللغة العربية محلها.
وتلك الأغراض ملموسة، ولو أنها غير مثبتة في الوثائق الرسمية. فقد أراد الخديو إلغاء قيد من القيود التي كانت تربط مصر بالباب العالي، وذلك بالتخلص تدريجا من خدمة الموظفين الأتراك، كما أنه أراد إفساح مجال العمل لأبناء البلاد المتعلمين، وتكوين طبقة من الموظفين الأهليين ينافسون الأتراك في الوصول إلى المناصب العالية، وكان وجوب استعمال اللغة العربية في مصالح الدولة أمضى سلاح وضعه الخديو في أيدي المصريين.
وقد عثرنا على أول وثيقة لتمصير الدواوين، وهي الأمر الكريم الصادر إلى الداخلية بتاريخ 27 ربيع الثاني سنة 1283.
21 «بلزوم جمع صور الأوامر واللوائح، وكل ما سبق صدوره من الإجراءات من زمان تولية ساكن الجنان المرحوم محمد علي باشا جد الجناب العالي لغاية مدة المرحوم سعيد باشا بكتابة، ويطبع منه خمسماية نسخة. فما كان عربيا يطبع كما هو، وما كان تركيا يطبع معه ترجمته بالعربية.» (3-2) الأمر سابق لأوانه
وقد نوهنا سابقا بالأمر الكريم الصادر سنة 1286 باستعمال اللغة العربية في دواوين الحكومة ومصالحها، ودلت التجربة على أن صدور هذا الأمر كان سابقا لأوانه بالنظر إلى قلة عدد المتعلمين في البلاد ولا سيما بعد إغلاق المدارس في عصري عباس وسعيد. فحدث بعض الارتباك لعجز بعض الدواوين عن تطبيقه كما يتبين ذلك من الأمر الصادر إلى ناظر الجهادية في 28 شوال سنة 1286 الذي جاء فيه: «لقد اطلعنا على كتابكم المؤرخ 26 شوال سنة 1286 رقم 27 بخصوص إرادتنا الصادرة إليكم بأن تكون كافة المخاطبات بين جميع الدواوين والمصالح الأميرية وسائر الجهات في داخل الحكومة باللغة العربية فيما بعد، وأنكم وإن كنتم قائمين بموجبها فإنه لوقوف جميع قومندانات الألوية وميرالاياتها وأكثر ضباطها على قراءة وكتابة التركية، ولأن المخاطبات والخلاصات الجاري صدورها من الجهادية بخصوص الإجراءات تصدر باللغة التركية، وأن بعض القوانين الموضوعة باللغة العربية بمقتضى إرادتنا السنية قد صار ترجمتها إلى اللغة التركية، وباقي هذه القوانين جار ترجمته، فلذلك تستحسنون أن تكون المخاطبات والخلاصات باللغة التركية كما كان جاريا من قبل، فبناء على هذه الأسباب قد وافقت إرادتي على إجراء مخاطبات الجهادية باللغة التركية كما كانت جارية في العهد القديم فلإجراء موجبه على هذا الوجه قد أصدرنا أمرنا هذا وأرسلناه إليكم.»
صفحة غير معروفة