محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
تصانيف
المحاولة الرابعة: شاه ولي الله وأحمد شاه أبدالي
بذل نجيب الدولة كل ما استطاع بذله لمقاومة قوى الفوضى والاضطراب، ولكن الجو في البلاط لم يكن يوحي البتة بأي نوع من التجانس أو الثقة، والأمراء كانوا جد حريصين على تضحية مصالح الدولة على مذبح أطماعهم الشخصية، وفي نفس الوقت كان ضغط المراتا يزداد تباعا على الأجزاء الشمالية، واستطاعوا - بعد تحالفهم مع الجات - أن يهزموا نجيب الدولة، وأن يستولوا على إقليم البنجاب.
عند ذلك بدأ شاه ولي الله يدرس الموقف من جديد، وقرر أن يدعو أحمد شاه أبدالي حاكم الأفغان ليأتي بجيوشه؛ لإنقاذ الهند المسلمة.
أرسل ولي الله خطابا مطولا في أربعة عشر صفحة إلى أحمد شاه أطلعه فيه على تطورات الموقف السياسي في الهند، ورجاه أن يسرع لإنقاذ المسلمين من خطر سيطرة الماراتا، وهذا الخطاب يعتبر بحق وثيقة من أهم الوثائق التاريخية لدراسة الحالة في الهند في القرن الثامن عشر.
في القسم الأول من هذا الخطاب يقدم شاه ولي الله وصفا تفصيليا للانقلاب السياسي الذي أصاب الأجزاء الشمالية، ثم يحلل العوامل التي ساعدت على قيام القوى المعارضة، وهي قوى: الماراتا والسيخ والجات.
ومما يثير إعجاب دارس التاريخ في هذا الخطاب إدراك شاه ولي الله الفائق للدوافع وردود الأفعال للقوى السياسية التي كانت تعمل في الهند في القرن 18.
كما أنه لا ينسى - عند مناقشته للأحداث السياسية الهامة - أن يشير إلى أثر العوامل الجغرافية في كل مرحلة من مراحل التطور.
وفي نفس الخطاب يعطي شاه ولي الله تقديراته لمدى قوة جيوش المارتا والجات.
وبعد كل هذه التفصيلات عن الجات والماراتا أطلع شاه ولي الله أحمد شاه أبدالي على الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الإمبراطورية المغولية؛ يقول: «هناك مائة ألف روح في خدمة الإمبراطور، بعضهم يمنح المرتبات، والبعض الآخر جاجاردارية (أي مقطعين)، ونتيجة الأحوال المضطربة لا يستطيع هؤلاء الجاجاردارية السيطرة على إقطاعاتهم (
jagirs )؛ ولهذا فهم يعانون كثيرا من المشاق.
صفحة غير معروفة