محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
تصانيف
سنة 1582م - وهي السنة التي أعلن فيها الدين الإلهي - حدا فاصلا في حياة أكبر، ويريان أن أكبر لا يمكن اعتباره مسلما بعد هذه السنة.
ولم تكن التغيرات التي أحدثها أكبر مقصورة على الدين وحده، بل أحدث تغييرات أخرى تؤذي شعور المسلم؛ لأنها ذات صلة وثيقة بالتشريع أو النظام الإسلامي؛ فقد تزوج أكبر من بنات أمراء الهندوك؛ ليرتبط وإياهم برابطة ولاء النسب، غير أنه سمح لأولئك الزوجات بالاحتفاظ بدياناتهن، وبالقيام بشعائر هذه الأديان داخل القصر الإمبراطوري، كما أنه استبدل التقويم الهجري بتقويم جديد سماه التقويم الإلهي، يبتدئ بسنة جلوسه على العرش، وجعل شعار أتباعه «الله أكبر»، وكان يعني به أن أكبر هو الله!
هذه الحركة هزت المجتمع الإسلامي في الهند هزة عنيفة، غير أن كل من عارضها أو قاومها من العلماء كان نصيبه النفي والاضطهاد والتشريد، ومع هذا فقد لقيت الحركة تأييدا من بعض العلماء المسلمين الذين كانوا يبتغون الوسيلة والقربى إلى السلطان، والحقيقة أنه لولا تأييد هذا النفر من العلماء لما استطاع أكبر أن يقيم دعائم دينه الجديد، وفي هذا يقول أحمد سرهندي: «ومما لا شك فيه أن كل ما وقع من المداهنة والتخاذل في الأحكام الشرعية في هذا الزمان، وما ظهر من الفساد والوهن في نشر الدعوة الإلهية وإبقاء مآثرها في هذا العصر، إنما يرجع سببه إلى علماء السوء الذين هم لصوص الدين، وشر من تحت أديم السماء، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.»
ومع هذا فإن نفرا آخرين من العلماء المخلصين، الثابتين على إيمانهم، المتمسكين بدينهم عارضوا الدين الإلهي معارضة عنيفة، كان على رأس هؤلاء هذا العالم الذي اقتبسنا قوله الآن، السيد أحمد سرهندي، فقام هذا الرجل بحركة تجديدية مضادة، تعتبر في الواقع رد فعل لحركة أكبر الإلحادية. (3) أحمد سرهندي (971-1034ه / 1564-1625م) مجدد الألف الثانية
ويعرف أحمد سرهندي باسم «مجددي ألفي ثاني» أي مجدد الألف الثانية، وهو واحد من كبار المسلمين والمتصوفة الذين برزوا في تاريخ الهند، وقد بذل جهودا كبيرة في سبيل تجديد الإسلام، وتنقيته من الشوائب التي لصقت به، وخاصة بعد حركة الهرطقة والمروق التي كان قد بدأها الإمبراطور أكبر (1556-1605م). (3-1) حياته الأولى
ولد أحمد في مدينة سرهند (إحدى مدن ولاية بتيالا
في شرقي البنجاب) في سنة 971ه / 1564م، ووالده الشيخ عبد الأحد ينتهي نسبه إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وقد تلقى أحمد علومه الأولى على والده، ثم أتم دراسته بعد ذلك في مدينة سيالكوت
Siyālkôt .
واتجه أحمد بعد ذلك إلى العاصمة أجرا
Agra
صفحة غير معروفة