فنهضت لتذهب وهي تقول: لن نمل انتظار العدل.
35
وتمر الأيام.
تزمجر زوابع أمشير، ثم تعقبها رياح الخماسين. تتراكم السحب، ثم يسفر بحر الصفاء الأزرق.
من أول شهر ينشب صراع حام بين فلة وعجمية، يستحر ويستفحل بلا أمل في سلام، وتنجب العروس ولدا بعد ولد، ويتجاهل شمس الدين الصراع. يشفق من مساندة المظلوم كما يشفق من زجر الظالم. ثبت له أن دخول معركة آمن من الدخول بين امرأتين متعاديتين. وتبدت فلة عنيدة شرسة لا ترحم، كما تبدت عجمية قوية سليطة اللسان متوحشة عند الغضب، رغم مزاياها النافعة في النشاط والتفاني في العمل والإخلاص للزوج والولد.
وسمع ذات يوم فلة تعير زوجته بجد لص، وما يدري إلا وعجمية تصيح بها «يا ربيبة البوظة». عند ذاك فقد صوابه وصفع زوجه صفعة كادت تفقدها الحياة.
ومضى إلى ساحة التكية منفردا بنفسه في الظلام. لم يسمع الألحان ولا رنا إلى نجم. انصهر في نار باطنه الموقدة. هي الحقيقة بلا مراء. يعرفها الأعداء والأصدقاء. لولا سطوته لتغنى بها الكارهون. هي حكايتهم المفضلة وراء الأبواب المغلقة. إنه يعانق الجنون. يعانق الجنون ويرفض أن يحتقر أمه. لو لم تكن بريئة وفاضلة ما تزوج منها عاشور الناجي. اقترانها بعاشور شهادة أبدية بفضلها وخلقا جديدا لها. الويل لمن تسول له نفسه المساس بها. ولكن تبقى بعد ذلك الحقيقة قرحة دامية. وقد جاء الوباء ليهلك أي رجل من العابثين بها. ولكن تبقى الحقيقة قرحة دامية. قدح الحياة حتى في أسعد أحوالها لا يخلو من كدر وسم. الويل الويل للحزن والكدر.
ومن شدة أساه حمل السور العتيق المترامي فوق عاتقه.
36
رغم كل شيء اعتبرته أمه متهاونا في حقها، واستسلمت للغضب فرمته بطعنة مفاجئة. انتهزت فرصة غياب عجمية في الخارج وقالت له بجرأة سافرة: قررت أن أتزوج!
صفحة غير معروفة