وظن فتح الباب أن أسره قد انتهى ولم يعد له مبرر أو معنى. قال للفتوة الجديد: ما مضى قد مضى، دعني أمارس حياتي العادية وأرتزق من عمل مثل بقية خلق الله.
ولكن حميدة رفض مطلبه وقال له: إنك غير مأمون الجانب ، فابق حيث أنت، وسيجيئك رزقك بلا تعب!
37
هكذا انتهت سيرة فتح الباب وجهاده مثل صحوة قصيرة مشرقة في يوم طويل ملبد بالغيوم. وذات صباح عثر عليه جثة مهشمة في أسفل المئذنة المجنونة. خفقت قلوب كثيرة في أسى، وفرحت قلوب. وقيل في تفسير ذلك إنه جن حزنا على ضياع الفتونة من بين يديه، فتسلل ليلا إلى مئذنة جده المجنون، فرقي فيها إلى أعلى شرفة، ثم رمى بنفسه للهلاك والكفر.
هكذا انتهت سيرة فتح الباب وجهاده.
التوت والنبوت
الحكاية العاشرة من ملحمة الحرافيش
1
بموت فتح الباب صحت الحارة من حلمها الوردي، ارتطمت بصخرة الواقع، انطوت على أحزانها، تكاثف ظل حميدة السفاح حتى حجب نور الشمس.
لم يبق من صفوة ذرية الناجي إلا بنات فردوس أرملة سماحة ذي الوجه القبيح وبكريها ربيع سماحة الناجي. أما البنات فقد ذبن في عامة أهل الحارة، وأما ربيع فقد نشأ فقيرا، ولم تكن أمه تملك مالا يذكر، فعمل في محل البنان، ومارس حياة غاية في البساطة. رغم ذلك كان يعد خير آل الناجي. لم يستدر ذلك رحمة أحد؛ فعلى تعلق الحرافيش بسير عاشور وشمس الدين وفتح الباب، فقد أضمروا الاحتقار والمقت لسائر آل الناجي لخيانتهم لعهد جدهم العظيم، ولانخراطهم في سلك المجرمين والبلطجية.
صفحة غير معروفة