واجتاح خبر الزواج الحارة كالنار. تساءل كثيرون: ألم يكن بوسعه أن يفعل مثل الآخرين؟!
وقال حسب الله: إذن كان يصدنا نحن أبناءه ليستولي هو عليها!
وضاعف من أثر الخبر ما عرف به عاشور من الطيبة والاستقامة. أهكذا يقع الناس الطيبون؟ أين الوفاء لزينب؟ وأين الوفاء لزين الناطوري؟ من الذي جعل منه مالك كارو بعد أن كان مكاريا؟ ومن الذي انتشله من التشرد فجعله مكاريا؟
وكان عاشور يقول مدافعا عن نفسه: لولا أنني عاشور ما تزوجتها!
وتمضي الأيام وهو يزداد سعادة وامتنانا، واستهانة بالأقاويل. وتعلقت به فلة تعلقا لم يحلم به. صممت على أن تثبت له أنها ست بيت مطيعة، بعيدة كل البعد عما يثير غيرته. ومما جعلها أثيرة عنده أكثر أنه وجدها - مثله - مجهولة الأب والأم. وبسبب من شدة حبها له تسامح مع جهلها بكثير من الشئون النافعة، كما تسامح مع كثير من العادات السيئة. ومن أول الأمر أدرك أنها بلا دين إلا الاسم، وبلا أخلاق، وأنها تتبع في مسيرتها الغرائز وملابسات الحياة، فتساءل متى يجد وقتا ليلقنها ما ينقصها حقا في الحياة؟ الحب وحده ما يحفظها ولكن متى يكفي ذلك؟
ولم ينقطع عن زينب، ولم يغمط لها حقا. ومضت هي تألف الحياة الجديدة، وتعاشر جرحها معاشرة التسليم، فلا تكدر زياراته بمكدر.
وجعل درويش يراقب الأمور ويقول بحقد: العقرب تعبده، ما زالت تعبده، فمتى تلسعه؟
وتمضي الأيام فتحبل فلة، ثم تنجب ذكرا يسميه أبوه «شمس الدين»، ويفرح به عاشور فرحة كبرى كأنما هو بكريه.
وتمضي أيام صفاء وسعادة لم يجدهما عاشور فيما سلف من عمره.
30
صفحة غير معروفة