حاول الضحك مرة أخرى وتمتم: جلال لا يموت. - الموت يطل من عينيك الجميلتين. - الموت مات يا جاهلة.
واستجمع كل قوته حتى وقف ممتدا في فضاء الحجرة. تراجعت إلى الوراء في رعب، ثم اندفعت هاربة مجنونة.
70
كأنه يحمل المئذنة المرعبة فوق كاهله. الموت ينطحه كما ينطح أي حيوان أعمى صخرة صلدة. وهتف بلا خوف: ما أشد الألم!
سار مترنحا نحو الخارج وهو عار تماما. تمتم وهو يغادر الدار إلى ظلام الحارة: جلال يتألم ولكنه لا يموت.
تقدم ببطء شديد يخوض الظلمة الحالكة مغمغما بصوت غير مسموع: النار، أريد ماء.
وجعل يتحرك في الظلام ببطء شديد، يغمغم متشكيا وهو يعتقد أنه يملأ الدنيا صياحا. وتساءل أين الناس؟ أين الأتباع؟ أين الماء؟ أين زينات المجرمة؟ وقال إنه الكابوس في ثقله وسماجته، ولكنه ليس الموت، القوى المجهولة تعمل الآن بكل طاقتها لترده إلى الحياة والسخرية، ولكن ما أشد الألم! ما أفظع الظمأ!
وعثر في تخبطه بجسم بارد. آه إنه حوض الدواب. اجتاحته فرحة النجاة. انحنى فوق حافة الحوض، فتهاوى إلى أسفل. مد ذراعيه فغرق في الماء. لامست شفتاه الماء المشبع بالعلف. شرب بنهم، شرب بجنون. صرخ صرخة مدوية ممزقة بوحشية الألم. غاص نصفه الأعلى في الماء العكر، تقوض نصفه الأسفل فوق أرض مغطاة بالروث، كفنته الظلمة الحالكة في تلك الليلة المثيرة المفزعة من ليالي الربيع.
الأشباح
الحكاية الثامنة من ملحمة الحرافيش
صفحة غير معروفة