268

الحرافيش

تصانيف

فذهلت وهمست له: لا تثر فضيحة.

فقال بعناد: ارجعي إلى البيت.

ولمحت الأعين تزحف نحوها مثل الأفاعي، فاضطرت إلى الرجوع وهي تغلي.

45

في المساء، وعند ذهابه إلى بيته، وجد محمد أنور عاصفة في انتظاره. كان يتوقعها تماما. وكان أبغض شيء إلى قلبه أن يتمادى في الغضب، أن يفسد الجو، أن يطمس الجمال المعبود بالسخط. وأبدى استعداده لأي تنازلات تحت شرط الإذعان لرغبته المشروعة. قال لها: لا تتصوري أنى أسعد بإهانتك، ما أريد إلا المحافظة على سعادتنا. ولكنها بدت مثل هبة من غبار. اصفر الوجه وانقلبت السحنة وتطاير من العينين شرر. تجسد الغيظ مقتا أسود، وطفرت الكبرياء حية متوثبة. وقال لنفسه أعوذ بالله من هذا الشر، أعوذ بالله من هذا القلب، ألا يشفع لي ما صنعت معك؟

46

ووجدت زهيرة نفسها في سعير. إنها تأبى أن تنهزم، ولا تنسى موقفها الأليم بين يديه في الحارة. وهي لا تحبه ولم تحبه قط. ولكن كيف تتصرف وأين تذهب؟ في مثل حالها تذهب الزوجة إلى أهلها وهي لا أهل لها. فإما سيدة في ذلة، وإما هائمة على وجهها. تتربص بها الشماتة في أكثر من دار، وفي بدروم عبد ربه أيضا.

وتذكرت سيدها الأول المعلم عزيز سماحة الناجي، وجيه الحارة، وصديق زوجها. سيعلم الزوج أنها ليست مقطوعة من شجرة على الأقل. ‏وتسللت إلى محل الغلال ورذاذ يتساقط فبل ملاءتها ووجنتيها. اقتحمت عليه حجرة الإدارة. وجدته وحده، مجللا بوقاره الجميل وقد وخط المشيب - متعجلا بعض الشيء - ‏ شاربه. عرفها من أول نظرة. عرفها رغم البرقع. لم يكن في حاجة إلى تذكر هاتين العينين الساحرتين المطلتين حول العروس الذهبية. خيل إليه أنه القدر يقتحم حصنه.‏

تهادت إلى أذنيه نبرتها الناعمة وهي تقول: لم أجد سواك ملجأ لحيرتي.

فتساءل وهو يضبط عواطفه المتضاربة: ما الحيرة كفى الله الشر؟ - زوجي! - إنه رجل طيب فيما أعلم. - ولكن معاملته ساءت جدا في الأيام الأخيرة. - بلا سبب؟ - يرغب في إذلالي.

صفحة غير معروفة