في طريقه إلى الاختفاء وقف في الساحة أمام التكية. ها هو يمتلئ برائحة الحارة وأنفاسها، ولكن أين النشوة؟ كم حلم بهذه الوقفة كمنطلق لدفقة جديدة من الحياة، تؤدب الأوغاد وتبعث روح العهد! ما هي الليلة إلا بدء رحلة طويلة جديدة في دنيا العذاب والمطاردة. سيرجع إذا رجع شيخا بلا حول.
ومضى نحو الممر والأصوات تترنم في جلال الليل:
درد مارا نيست درمان الغياث
هجر مارا نيست بابان الغياث
قرة عيني
الحكاية الخامسة من ملحمة الحرافيش
1
كان لعودة سماحة بكر الناجي المباغتة واختفائه الخاطف زلزلة عنيفة في نفوس آل الناجي والحرافيش. ولعل أبناءه كانوا أقل الناس تأثرا إذ إنه جاء وذهب وهم نيام، فضلا عن أنه لم يعد بالقياس إليهم إلا ذكرى باهتة مثل ذكرى أمهم محاسن البولاقية. ورويت مأساته بالطول والعرض فأصبحت أسطورة وموعظة.
2
وانتظم رمانة وقرة ووحيد في العمل بمحل الغلال مع عمهم رضوان وعم أبيهم خضر. وترامى إلى الحارة خبر عجيب يقول إن المخبر حلمي عبد الباسط لم يمت كما توهم المتوهمون. وإنه شفي من ضربة الجندرة، وواصل حياته في خدمة الحكومة والبلطجة على محاسن. عند ذاك تجلى العبث في هرب سماحة، واشتد الحزن عليه، فهب خضر للبحث عنه. من أجل ذلك سعى سعيه لدى مأمور قسم الجمالية، من أجل ذلك فاوض فتوة الحارة «الفسخاني»، مضاعفا له الإتاوة وواعدا إياه بمكافأة مغرية، ومن أجل ذلك أيضا رصد مكافأة كبيرة لمن يعثر عليه.
صفحة غير معروفة