ولأول مرة يردد اسم الله بطرف لسانه وفكره مشدود إلى غيره؟ وحضرته تجاربه الجنسية البدائية المحدودة في رجفة من الحيرة والقلق والغربة.
واقتنع المعلم زين الناطوري بمزاياه كحارس أمين فسأله: أين تسكن يا عاشور؟
فأجاب ببساطة: سور التكية أو تحت القبو. - يسرك ولا شك أن تنام في الحظيرة؟
فأجاب بسرور: نعمة أشكرها لك يا معلم.
9
يستيقظ في الفجر. إنه يألف ظلمته المشعشعة بالبسمات، ودبيب أهل التقوى والفجور، وأنفاس الكون النقية المسربلة بالأحلام. ينفض عن قلبه صورة زينب المتحدية ويصلي. يلتهم رغيفا مع الزيتون المخلل والبصل الأخضر. يربت على ظهر حماره، ثم يسوقه أمامه نحو الميدان مستقبلا يوم الرزق والعمل. يفيض بحيوية متدفقة، يمتلئ بثقة غير محدودة في قدرته وصبره وامتلاكه للمجهول، تكتنفه دوامة تكاد تقتلعه من جذوره، دائما تتقدمه زينب فتغلبه بنداء غامض. وجهها مشوب بشحوب، أنفها بارز، شفتاها غليظتان، جسمها صغير ومدمج، ولكنها تستمد تأثرها عليه من مصدر مسحور، دائما تشعل جذوة في أعماقه، وأحيانا لا يرى الحمار وراكبه.
وفي أويقات الراحة يقف أمام البيت يتابع تيار السابلة. ما أكثر العاملين في الدكاكين أو وراء عربات اليد والسلال والمقاطف! وما أكثر المتشردين من الحرافيش بلا عمل! من أبوه بين هؤلاء الرجال؟ من أمه بين هؤلاء النسوة؟ رحلا عن الدنيا أم يبقيان؟! هل يعرفانه أم يجهلان؟ من الذي أورثه هذا الكائن الهائل المفعم بمعروف الشيخ عفرة زيدان؟ ويطرد عن رأسه الأفكار العقيمة المضنية، فتبادر إليه زينب زين الناطوري بندائها الغامض. وقال لنفسه: كل شيء يتحرك فلا بد أن تحدث أمور.
وقال لنفسه أيضا: ليكن الطيب حليفي جزاء نيتي البيضاء.
وترامى إليه صوت زين الناطوري وهو يحتدم غضبا. رآه في الفناء مشتبكا في معركة لفظية مع أحد العملاء، وبعنف صاح به: أنت لص لا أكثر ولا أقل!
فصاح العميل: احبس لسانك القذر!
صفحة غير معروفة