أما هذه المادة فغاية ما يعلم أن المركبات الكيماوية التي تنحل هي إليها بعد فقدها الحياة لا تستطيع أن تركبها من نفسها. وهذا ليس خاصا بها وحدها، بل يطلق على سائر المركبات الكيماوية؛ فإن الماء إذا انحل إلى عنصريه الأكسجين والهيدروجين، فعنصراه لا يتحدان ولا يركبان ماء إن لم يلهبا بشرارة كهربائية أو غيرها، فليس فيما تقدم ما ينتقض به أصل البروتوبلاسما الكيماوي وتولدها الذاتي.
وعدم إمكان تركيبها كيماويا حتى الآن لا يفيد شيئا كذلك ضد هذا الأصل؛ لأن المواد الزلالية تعتبر كسائر المركبات الكيماوية، مع أن الكيمياء لم يتيسر لها تركيبها للآن، إلا أنه لا يقطع باستحالة ذلك عليها بناء على ما تم لها تركيبه بالكيمياء النموذجية، وربما لا يطول الأمر حتى يتم لها ذلك، إلا أن البروتوبلاسما وإن كانت مركبة كسائر المواد الألبيومينية فهي تختلف عنها اختلافا كبيرا؛ لأنها عرضة لتغير سريع مع حفظ تركيبها كما هو، بخلاف هذه المركبات؛ فإن تركيبها الكيماوي لا يعود لها ولو لم يتغير إلا قليلا؛ أي إنها تمتاز عنها بالتغذية.
وهي ليست قائمة بنمو بسيط، وإلا لم يكن فرق بينها وبين البلورات، فإن البلورة إذا وضعت في سائل مشبع من محلول مادتها تنمو كذلك، وتشبه في نموها نمو البروتوبلاسما شبها ظاهريا، ولكن عند تدقيق النظر يرى أن هذا النمو فيها يتم على نوعين مختلفين؛ فالبلورة إنما تنمو بجذب دقائق تركيبها الكيماوي كتركيبها، وبوضعها على سطحها.
وأما البروتوبلاسما فتجذب إليها - غالبا - مواد مختلفة عنها، فتحلها ممثلة بعضها ، ونابذة البعض الآخر، ومتغيرة في حدود معلومة تغيرات كلية؛ فإن تركيبها التشريحي والكيماوي يظهر أنه واحد في جميع بيوض الحيوان، وهي مع ذلك تولد هنا إسفنجا، وهناك سمكة، ومرة ضفدعا، وأخرى حيوانا آخر.
وتمتاز عن البلورات كذلك بنموها المحدود؛ فإن البلورة لا حد لنمو حجمها بخلاف البروتوبلاسما، فكل كتلة بلغت منها بعض أعشار الميليمتر تنقسم من ذاتها إلى كتلتين أو أكثر، وتؤلف الجسيمات الصغيرة المعروفة بالخليات، فلو لم يكن في البروتوبلاسما قوة تفعل في ظاهرها كما تفعل في باطنها لم يكن مثل هذا الانقسام والتغير والتحديد فيها ممكنا، ولكان نموها لا يفرق عن نمو البلورات، فالبروتوبلاسما تختلف إذن عن سائر المركبات الكيماوية من حيث اختصاصها بالتغذية والنمو والانقسام والتوالد اختلافا كبيرا.
وبهذه الخصائص تختلف أيضا عن المواد الزلالية، ولذلك ربما لم تستطع الكيمياء خلق الحياة وإن استطاعت اصطناع أشد المواد الزلالية اختلاطا، ولا سيما إذا صح أن البروتوبلاسما متجانسة، على أن من يذهب إلى أن الحياة نتيجة التعضي ربما أنكر على البروتوبلاسما تجانسها، وقال: ربما كان عدم تحققنا تعضيها ناشئا عن ضعف الآلات البصرية المكبرة لا عن عدم الشيء بنفسه، فالجواب على ذلك ربما لم يكن صعبا، وهو: لا يخفى أن العين المجردة تبصر أشياء ليس لها من الغلظ سوى جزء من مائة جزء من الميليمتر قطرا؛ كوبر الجلد، وخيطان بعض أنواع الرتيلاء، وأقوى ما لنا من المناظير يرينا أشياء أصغر من ذلك بألفي مرة؛ أي مما قطره ليس إلا جزءا من مائتي جزء من الألف، أو خمسة ملايين جزء من الميليمتر، فإذا أمكن معرفة المسافات التي تفصل بين دقائق الأجسام ومعرفة هذه الدقائق هان علينا حل هذه المسألة.
وقد توصلوا إلى ذلك بطرق مختلفة، فلوشميدت عين قطر الدقائق من النسبة بين كثافة غاز وسائله الناتج عن تكثفه، ووندرولس من الفرق بين قابلية الغازات الحقيقية للانضغاط وقابليتها النظرية لذلك، كما في ناموس مريوط، وطمسن من درس طبيعة النور في أبواق الصابون، وكلهم اتصلوا بهذه الطرق إلى نتائج تكاد تكون واحدة ،
1
ولا يفرق بعضها عن بعض إلا بكسر من المليون من الميليمتر، وذلك أقل قليلا من حجم أصغر الأجزاء المنظورة بأقوى تكبير ميكروسكوبي، ثم إن المواد الألبيومينية
2
صفحة غير معروفة