قبيح إذ كان معصية، والثاني حسن إذ كان جزاء وعقوبة، ولو كان الأول هو الثاني لم يكن للكلام فائدة، وكان تقديره: فلما مالوا عن الهدى أملناهم عن الهدى، فكان خلفا من القول يتعالى الله عنه، لان الكفر الذي حصل في الكفار [الذين وصفهم سبحانه بميلهم عن الايمان] قد أغناهم عن إحداث مثله لهم، وخلق ما يجري مجراه فيهم، فعلمنا أن زيغهم كان عن الايمان، وإزاغته تعالى لهم إنما كانت عن طريق الجنة والثواب، وأيضا فان هذا الفعل لما كان من الله سبحانه على سبيل العقوبة لهم، علمنا أنه غير الجنس الذي فعلوه، لان العقوبة لا تكون من جنس المعصية، إذ كانت المعصية قبيحة والعقوبة عليها حسنة.
وليس لقائل أن يقول: إن قوله سبحانه ههنا: (أزاغ الله قلوبهم) متشابه أيضا لأنه لا يفهم بظاهره وهو محتاج إلى الكشف عن باطنه.
لان قوله سبحانه: (فلما زاغوا) قد صير قوله: (أزاغ الله قلوبهم) في حكم المفهوم الظاهر، إذ قد بينا أن الزيغ الثاني لا يجوز أن يكون هو الزيغ الأول، ولا من جنسه، فقد علم أنه غيره، وإذا علم أنه غيره - والأول الزيغ عن الايمان - وجب أن يكون الثاني غير الزيغ عن الايمان، وأن يكون معناه ما ذكرنا من العقوبة على الميل عن الهدى إلى الضلال، وفي ما أوردناه من ذلك كاف بتوفيق الله تعالى.
وإذ قد اعترضنا هذه الآية، أعني قوله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، لايرادنا لها في موضع يحتاج إلى الاستشهاد بها فيه،
صفحة ٢٤