ودليل آخر: أنه لا يعلم الكلام من غير طريق السمع، ألا ترى أن الأصم، ومن يسد أذنيه لو رأى إنسانا يحرك لسانه وشفتيه بغير كلام أنه لا يفرق بينه وبين من يتكلم، فبطل قولهم: أن المتكلم يسمع ويعلم الكلام. وقد قدمنا الاحتجاج عليهم من كتاب الله في هذا، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أقوال الأئمة الهادين ".
فأما قولهم: إن العرض شيء لا يوهم ولا يحل ولا يحل، وهو يعلم ولا يحس؛ ولأنهم يقولون في العرض: كونه فناؤه، فإنهم لو نفوا العرض ولم يثبتوه شيئا معلوما لكان أصلح لهم وأوفق لهم من أن يصفوه بصفات الله تعالى؛ لأن الله شيء يعلم ولا يحل ولا يحل ولا يحس ولا يوهم، وقد غلطوا في هذا غلطا كبيرا؛ ولأنه إذا لم يكن حالا في الجسم فليس هو في الهواء، ولا في الأرض، ولا في السماء، وإذا لم يكن في الهواء، ولا في الأرض، ولا في السماء فعدمه ووجوده [على] سواء، ولا معنى له ولا نفاعة فيه.
وإذا لم يكن أيضا محسوسا، ولا موهوما، لم يكن مشابها للأجسام ولا للأعراض؛ وكان متنزها عن النقصان والأعراض.
صفحة ١٠٥