إن العرض سمي عرضا لاعتراضه في الأوهام؛ ولأنه لا يوجد منفردا من الأجسام؛ ولأنه يضعف عن القيام بنفسه، ويزول بضده، وقد سمى الله سبحانه وتعالى متاع الحياة الدنيا عرضا، لضعفه وزواله، قال تعالى: {تبتغون عرض الحياة الدنيا }[النساء:94]، فلذلك سمي العرض عرضا وهو على وجهين: ضروري واختياري، فالضروري فطرة من فطرة الله سبحانه، والاختياري من فعل العبد. فكل ما كان يوجد ضرورة لا يمكن الإنسان رده فهو العرض الضروري، وهو من فعل الله سبحانه، وما كان يمكن العبد فعله ويمكنه تركه فهو العرض الاختياري.
والضروري على أفنان: وهو الألوان والطعوم والروائح، والحركات والسكون في الجمادات، وقد يكون في الحيوان أيضا مثل ذلك كضربان العروق.
ومن الضروري أيضا إلهام الله تعالى لجميع الحيوانات مصالحهم الحاضرة، من استجلاب المنافع، والنفار عن المضار، فهذا اشترك فيه المكلف وغيره من سائر الحيوان. ثم زاد الله تعالى المكلف جودة النظر، والمعرفة لمصالحه العاجلة والآجلة. والزيادة هاهنا التي هي من الله فطرة، كاستحسان الحسن، واستقباح القبيح، وأشباه ذلك، فهذه الأعراض وما شاكلها مما لا يمكن الإنسان الإمتناع منها، فهو فطرة من الله تعالى.
صفحة ٨٨